(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) صحيح أن الله يمن بك على المؤمنين : لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم .. ولكنك ـ وأنت رسول ـ ليس لك المن عليهم استكثارا لما تبلغ من رسالات ربك ، واستكثارا لرفعة المتحد عند الناس ، وإنما لك الاستكثار من فضل الله ورحمته ، دون ابتغاء أجر منهم أو شكور ، ولأن هذا التوفيق العظيم والفضل العميم يستحق الشكر لله وطلب المزيد من الله ، لا من الناس الذين لا يملكون ، ولا لأنفسهم شيئا! وكما ليس له المن عليهم ان آمنهم بالله ، كذلك ليس لهم المن عليه أن آمنوا بالله : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٤٩ : ١٧) فالمن لله أولا وأخيرا دون سواه ، (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (١٤ : ١١).
إن تحقيق الرسالة الإلهية نعمة من الله فلا يستحق المنّ عليه ، وصدقة على المرسل إليهم وهي تبطل بالمن : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) (٢ : ٢٤٦).
ولئن سئلنا : إذا كان المن من غير الله محظورا ، فكيف أصبح سليمان بينه وبين الإمساك مأمورا؟ : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٨ : ٣٩) والجواب أن المن هنا هو الإكثار من الإنعام كما يوحي به مقابله : الإمساك ، من المن وهو الإكثار العملي ، لا المنة وهي الإكثار الاستكثار القولي ومنّ الرسول الأقدس (ص) كان أكثر المنن والعطايا بين الرسل ، ولكنه منع عن المنة والاستكثار ، اللهم إلا المن والإكثار.
وإن صور الاحتمال في المنّ كالتالي : بين مرغوب عنه ومطلوب ، ممكن ومستحيل :
١ ـ المنّ العملي على الله ، وهو محال ينافي ألوهيته تعالى ، وينافي أقل الإيمان فضلا عن إيمان الرسول ، فلا يشمله النهي.