٨ ـ وقد يكون استكثارا لتعظيم الناس له ، ورفعة مقامه عندهم ، فمن هم الناس حتى يرجوا إكثارهم ، وهم لا يملكون ولا لأنفسهم شيئا ، وهو المأمور (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ولا (جَزاءً وَلا شُكُوراً) فكيف يستكثر منهم وإنما عليه العطاء ، دون ابتغاء أجر ولا شكور ولا جزاء ، لا قليلا ولا كثيرا ، إلا من الله العلي القدير.
٩ ـ وقد يكون استكثارا من الله ، فما هي الصلة بين المنّ على الناس والاستكثار من الله ، إلا في المنّ العملي كما سبق ، فعليه أن يثقلهم بنعمة البلاغ وله أن يستكثر ربه الجزاء الوفاق.
١٠ ـ وقد يمن عليهم عمليا يستكثر اهتداءهم ، فبقدر ما يجاهد في سبيل الدعوة له أن يرجو انعطافهم الى الحق ، وهذا أمر مرغوب فيه.
فتلك عشرة كاملة في صور المن بين مستحيل ومأمور به ، ومنهي عنه.
فالله تعالى يريد من رسوله الكريم ألا يظل يستعظم ما يقدمه ويستكثره مهما كان بجنب الله أو الناس أم في نفسه ، فان هذه الدعوة لا تستقيم وتدوم في نفس تحس بما تبذل في سبيلها ، فعلى الرسول أن يتناسى ما يقدمه لكي يستجدّ العطاء دوما كأنه أول العطاء ، فلا يمل من كثرة العطاء ومعاكسة المعطى لهم بالتخلف والغباء ، ولا يمن على المهتدين فيقطع عنهم العطاء ، وإنما عليه أن يعيش عناء في عطاء وابل دون انقطاع.
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) تقديم الظرف يوحي بأن الصبر يجب أن يختص بدافع رضى الرب فلا يصبر لنفسه لأنها تستحليه ، ولا لغيره فيسترضيه ، إنما لربه فيرضيه لأنه ربه ، ثم الفاء توحي بسبب هذا الاختصاص ، أنه ربوبيته تعالى ، جزاء لشرط مطوي إن كان هو ربك فله اصبر فالصبر في سبيل الله وانحصاره بالله يتسببان من ربوبيته تعالى ، فان معركة الرسالة طويلة ضيقة ، والصبر هو زادها الأصيل ، وقد شرحنا مدى الصبر الجميل مسبقا فلا نطيل.