(فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)
فما هو السحر؟ وما الذي يؤثر؟
إن السحر هو اصابة السحر : طرف الحلقوم ، ما يؤثر في الإنسان دون اختياره ومن حيث يعمى ، وهو يبطل بسحر مثله أو أقوى ، فأحرى أن يبطل بمعجزة إلهيه ، ومن ميزاته أنه يرهب ويأخذ العين على غرّة : (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (٧ : ١١٦) وان الله يبطله : (قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ. وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (١٠ : ٨٢) وانه لا يتخطى الخيال إلى العقل (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (٢٠ : ٦٦) وجماع القول في السحر انه لا يفلح فاعله حيث أتى فلا يبقى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) (٢٠ : ٦٩) ومن آثار السحر التفريق بين الأحبة (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) ولكنه أيضا غير مفلح إذ يبطل بسحر مثله أو معجزة ، فلا يؤثر ويبقى ، وآخر ما توصل إليه الوليد في قولته الباردة إنه سحر : ما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه وهنا استفاد من جهل الجهال بمجرد تشابه التعبيرين : إن الساحر يفرق. وترون هذا أيضا يفرق ويا له من فرق شاسع بين التفريقين ، ما يفرق بما يعمى سببه ولا يبقى ولا يعرف لماذا؟ وهو السحر وأشباهه من الباطل ، وما يفرق مبصرا بسناد البينات الفطرية والفكرية والعقلية ، فإن كان كل مفرق سحرا فليكن العلم والعقل وسائر الكمالات المفرقة بين الناس ، ليكن كل ذلك سحرا ، ولتكن كافة المبادئ والأديان الحقة المفرقة بين المحقين والمبطلين سحرا.
إن القرآن ورسول القرآن يفرقان بين المتحدين في الحيرة والضلال ، ففريق يؤمن وفريق يكفر ، كلّ على بيّنة مبصرة ، إيمانا لبيناته ، وكفرا لشهواته ، دون أن يعمى لهما المصدر والمورد والدليل ، فهل هذا سحر؟ كلا! وكما اضطر الوحيد أن يتبعه ب «يؤثر» يبقى ، ولكنما السحر لا يبقى!.
فمن الفوارق بين السحر والآيات المعجزة أنها مبصرة بينة لا تخفى على العقول