لكي يدركوا جانبا من القدرة الإلهية ومن ضعفهم وجاهها.
(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) : يضل الكافر المعاند بما يهدي به المؤمن المحايد ، دون فرق في الحجة بين الفريقين إلا بما يسعى : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) : ضلالا ثانيا ناتجا عن ضلال أول : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٦١ : ٥) كما الهداية الثانية ناتجة عن هداية أولى وإيمان : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٨ : ١٣).
فقد كشف الله لعباده عن طريقي الهدى والضلال ونجديهما كالشمس في رايعة النهار (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) فحدد لنا نهوجا نسلكها فنهتدي بها ، وأخرى ننحرف إليها فنضل ونشقى ، اختيارا دون إجبار : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) دون تسيير على الشكر أو الكفران ، إلا أنه تعالى فطر الناس على طلب الهدى ، فمن فسق عن فطرته التي فطره الله عليها ضلّ ، ومن تبناها في الحياة ، مستوحيا في استقامتها وحي السماء فقد نجى وزاده الله هدى.
إن الذين في قلوبهم مرض لم يكونوا ليعقلوا أن هذا العدد تعبير عن واقع الزبانية ، إذ حسبوه مثلا ، ثم اعترضوا عليه كمثل (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) من شاء الضلالة وزاغ عن الحق أزاغ الله قلبه وختم عليه ، ضلالة ثانية بالاختيار ، ومن شاء الهداية وتحراها هداه الله ، هداية ثانية بالاختيار (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
(وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) فانها غيب كلها في كيانها ، وفي عددها وعددها ، إلا ما كشف الله لنا عنها ، سواء أكانت جنود إنسية أو جنية أو ملكية أم سواها من حيوان وسواه ، فلا يعلمها إلا هو ، إلا ما كشف لنا عنها كما كشف عن عدد جنود سقر ، الزبانية التسعة عشر ، عن عددهم دون عددهم ، فما عرّفناه عرفناه وآمنّا ، وما جهلناه سكتنا عنه وآمنا ، كسائر الجنود