البلاء ، إذ تختل جميع الموازين في يدي صاحبه ، وتضطرب كافة القيم والمثل في تقديره لمجاله القصير الصغير إذ لا يدين بيوم الدين ، فتفسد مقاى يسه ليوم الدنيا والدين ، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
فهم لا يزالون شاكين في الدين ويوم الدين ، يعيشون الشك والنكران والحياة المنكرة والمعيشة الضنك حتى الموت الذي ينقلهم من الشك إلى اليقين :
(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) : الموت الذي لا محيد عنه وهو يقين للمؤمن والكافر سواء ، والذي يقطع كل شك وريبة فيجعل الكافر الناكر للدين ويوم الدين على يقين ، والذي يقطع الآمال الكاذبة والشكوك الحائلة دون التصديق بما في يوم الدين ، فاليقين هنا يعم علم اليقين وعين اليقين الحاصلين بالموت ، وواقع اليقين بالموت قبل الموت ، فطوبى لمن مات قبل موته : موتوا قبل أن تموتوا فحصل على اليقين الدافع إلى الصالحات قبل الموت ، قبل أن يضطر إلى اليقين بواقعه بعد الموت ، فيسمع نداء التنديد التجهيل : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).
فليس اليقين هو الموت ، وإنما يحصل بالموت لمن لم يحصله قبل الموت ، والموت نفسه أيضا من مصاديق اليقين إذ لا ينكره نفسه أحدا ، وإنما النكران لما بعده من حياة برزخية وحياة خالدة بحساب وجزاء وفاق.
ومما يحصّل اليقين ويزداده ، مواصلة العبادة : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١٥ : ٩٩) ونهاية المطاف لليقين الحاصل والمتكامل بالعبادة ، هي الموت ، فليس الموت هنا أيضا هو اليقين ، وإنما هو نهاية اليقين بالعبادة ، ومن ثم بداية لليقين دون عبادة إذ يكشف الغطاء فيزداد الموقف يقينا ويدخل العابد في نفس اليقين.
ومن كانت تلك النكرانات سيرته العقلية والعقائدية والعملية في الحياة ، لا تصله شفاعة الشافعين ولا تجديه ، إذ إن الشفاعة مبدئيا تكميل الناقص بشفع الكامل إن اذن الله ، فهي للمتوسطين في الإيمان عقيدة وعملا ، لا المتحللين عنه كهؤلاء المذكورين :