(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) : فطالما هناك شافعون ، ولكنهم (لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ه ـ الله : من ساءته سيئته وحسنّته حسنته ، من يعيش بين الخوف والرجاء ، فحياته مبدئيا ايمانية ، طالما يقصر أو يقصّر أحيانا ، دون من يبدءون بمبدإ اللاإيمان ، وينتهون الى الموت مجرمين : تاركين الصلاة مع التاركين ، وتاركين إطعام المسكين ، وخائضين في النكران مع الخائضين ، مكذبين بيوم الدين.
(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) :؟! ما لهم؟ ما داءهم وما دواءهم ، في حالتهم البئيسة التعيسة ، انهم فقط (١) (عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) : عما يذكرهم الله ونعم الله وأيام الله ، من نبي الله وكتاب الله وسائر آيات الله التي هي ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فهم حالهم : (عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) والى سواها : التلهية عن الذكرى ـ مقبلين ، فقلوبهم منكوسة ، وابصارهم مطموسة ، وحياتهم مركوسة ، أجسادهم أجساد الآدميين وأرواحهم أرواح الحمر المستنفرة الشياطين :
(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)
فالحمر المستنفرة هي حمر الوحش ، التي هي طبعها الوحشة والاستنفار من كل متحرك او ساكن ، فكيف بقسورة : من أسد او صائد ، تأخذ في الاستنفار في كل اتجاه حين تسمع زئير الأسد او حين تراه وان لم يأسد ، تنبثّ هنا وهناك كالفراش المبثوث ، ما يثير الضحك ويفكه من هذه الحركة الجنونية ، وكما تستنفر حين يرصدها الصائد.
__________________
(١) فتقديم الظرف «عن التذكرة» يوحى بحصر المظروف «معرضين» فيه ، فلا يعرضون الا عن التذكرة الإلهية.