فمشهد هؤلاء الحمر الإنسية في الاستنفار مشهد الحمر الوحشية وأضل سبيلا ، إذ يعرضون عن الصائد التذكرة ، الذي يحاول صيدهم عن حياة التباب إلى حياة الصواب ، فالنبي صياد يرصد الضالين ليصيدهم بالتذكرة.
ولما ذا يعرضون مستنفرين عن قسورة الوحي ، الأسد الضرغام الذي يأسد في صيده ، لا ليأكل صيده ، وانما لينجيه ، فالأنبياء قساورة صيادون ، يصيدون البهم الضلال بقوة الذكرى والبرهان ، بكل مناعة وأمان.
فإذا الحمر المستنفرة ، تفر من قسورة ، خوف الصيد الفاتك والافتراس المهلك ، فهي لا تلام في استنفارها ، وان كانت زائدة النفرة عن حدها ، فهؤلاء الحمر الإنسية يفرون معرضين عن قسورة التذكرة ، الناصحة ، التي تذكرهم بربهم ومصيرهم ، فأين حمر من حمر ، وأين قسورة من قسورة؟؟
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً بَلْ) :
ام ـ ذلك الشماس والنفار عن تذكرة محمد الرسول وقرآنه ـ ليس فرارا عن التذكرة كتذكرة ، وإنما استكبارا على حامل التذكرة ، انه بشر مثلنا ، فلما ذا يفضل علينا بوحي التذكرة : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ..) فليوح إلى كلّ منّا : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٦ : ١٢٤).
فمن استكبارهم (يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً) من الوحي تختصّه «منشرة» معلنة لهم ولمن سواهم : رسالات مستقلة فردية مستغلة ، فيها ما يهوون ، طبعا وشرائع متفاوتة متهافتة تفاوت الأهواء وتهافت الآراء.
فلو ان كلا يحوى ما يحويه الكل لوحدة الشرعة في الكل كما القرآن ، فلا كثرة هنا كما ليست هناك ، فليكتب كل نسخة من القرآن ككتاب اليه ، ولكنهم لا يريدون وحدة الرسالة والشريعة.