فعلى العقلاء أن يعقلوا عما تحيطهم من آيات الله البينات ، ولا أقل الآفاقية الكونية منها ، ولا أقل الأنفسية! عليهم أن يعقلوا ويسمعوا ويعوا ، ومنهم الماردون الذين يتأوهون يوم الورود : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ ، فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ)(١٠).
ثم الرسل المنذرون ، ليس لزاما عليهم الإنذار بأنفسهم مواجهة ، ولا كل في زمنه ، إنما المدار على بلوغ الإنذار الذي فيه الحجة البالغة ، سواء حمله الرسول بنفسه ، أم بمبعوثيه ، أم بكتابه ، ولا سيما الكتاب الذي يحمل معجزة الرسالة ومعجزة الرسول – البالغة الخالدة : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ)! (٢٩ : ٥١).
فكل من بلغته الدعوة الحجة ، كيفما بلغت ، وبأيّ من الوسائل ، فقد لزمته الحجة الإلهية : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٧ : ١٥).
والعذاب دون حجة الإنذار ، وكذلك اللّارحمة واللاعذاب دون بلوغ الحجة ، إنهما حجة للناس على الله ، وحاشاه! ولكن : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) (٦ : ١٤٩) تبلغ العالم بعلمه ، والجاهل بعقله ما لم يقصر : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (٤ : ١٦٥) (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) (٢٠ : ١٣٤).
ولقد شمل الإنسان النذر وأحاطوا به طوال التاريخ : (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) (٤١ : ١٤) (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٣٥ : ٢٤) لا تشذ النذارة الإلهية جماعة من الجماعات البشرية ، أو قطعة من قطاعاتها سواء أكان النذير من رجالات الوحي ، أم رسلهم الخاصة ، أو العامة ، أم ـ وفي أقل التقدير ـ نذر العقول التي تهدي إلى نذر الرسل ، وتدفع أصحابها للتحري عنهم.