الإعادة من الخلق أول مرة ، بأنها أهون ، وان كان الكل عند الله هينا ، وهنا بأولوية جمع العظام من تسوية البنان وهو مسوّيها أولا وأخيرا ، فهؤلاء المشركون في عبادة الله ،؟؟؟ الخلق بالله ، عليهم أن يصدقوا بإمكانية حشر الأجساد وهو خلقها ثانيا ، بعد إذ هم مصدقون بخلقها أولا : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٥٠ : ١٥) ، وعليهم تصديق جمع العظام بعد ما يرون من تسوية البنان وهي أدق الخلق وأرقّه في الإنسان ، وهي كناية عن إعادة التكوين الانساني بأدق ما فيه دون عزوب عنه من شيء : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ...) : توفيا عند الموت لكلا الجسم والروح وإيفاء لهما بأمر الله عند الحشر.
(نُسَوِّيَ بَنانَهُ) فالبنان هي الأصابع من البنّ : الإقامة ، فان بها صلاح الأحوال التي تمكّن الإنسان أن يبنّ بها ويقيم حياته ، «بلى» نجمع عظامه حال أننا (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أيضا ، فإن بها معظم أفعال الإنسان ، وهي آخر وأدق ما يخلق من عظام الإنسان ، وهي من أصغرها وأكثرها نسبيا بين العظام (١) ومن أهم ما في البنان ، الذي كشف عنه العلم ، خطوط رءوس البنان التي يستفاد منها كأضبط التواقيع التي لا تشتبه ببعض ، ويستحيل فيها الاحتيال والتزوير ، وهي من أهم ما يكشف بها الجرائم ، فقد يعرف الجاني بالآثار الباقية على يديه في عملية الجناية ، يعرف بسلاحه الذي استعمله وإن لم يكن فيه أثر الدم ، وإنما المسكة يبين فيها بالعيون المسلحة ، فللبنان بالغ الأهمية في الكشف عن أصحابها ، ولأن الخطوط المهندسة في كل يد تختلف عن سائر الأيدي ، فمهما
__________________
(١) فان عظام أصابع اليدين ٥٨ ، وللرجلين ثمانية وعشرون المجموع ٨٦ عظاما دقيقة وضعت لمنافع لولاها ما تمت تلك المنافع كالقبض والبسط واستعمال اليدين في الجذب والدفع ، وهي بين عظام الإنسان (٢٤٨) تصبح ثلث العظام كلها ، على ان الأصابع العشرين ليست الا زهاء ١ / ٥٠ من الإنسان.
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٨)