مديدا لاستبعاده يوم القيامة ، أحيانا بسناد استحالة جمع العظام ، وأخرى أن لا جواب لسئواله «أيان» فليفجر حياته كل ستر وناموس إذ لا حساب! وانهم لا برهان لهم على نكران الحساب أو المرية فيه إلا ثورة الشهوة ، فليفجروا ويشقوا واسعا كل ما يسدها ويصد عنها.
ومهما كان لسؤال (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) جواب الأولوية : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) فليس لسؤال (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) إلا عرض مشهد من مشاهد القيامة تشترك فيه المشاعر الإنسانية والمشاهد الكونية ، فسوف يرون أنفسهم في نفس الجواب ، وأما هنا فلا جواب عن زمن الحساب إلا أن الله عنده علم الساعة :
(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)
كجواب سريع خاطف حاسم دون تريّث وحتى في موسيقا اللفط ، إيحاء أنه لا جواب عن زمن القيامة إلا عرضا لمشهده.
وبرق البصر اضطرابه وتجوّله من خوف وتخطّفه وتقلّبه ، سواء بصر القلب أو القالب: (يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٢٤ : ٣٧) وشخوصه من وطأة الطامة : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢١ : ٩٧) برقا يبرز في البصر ويضرب إلى أعماق ذات البشر : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (١٤ : ٤٣) برقا في قيامة الإماتة والتدمير إذ ترجف الراجفة ، ثم برقا في قيامة الإحياء والتعمير ، إذ تتبعها الرادفة : (إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) (٣٣ : ١٠).
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) خسوفا بنوره وخسفا بكيانه ، ومن أسباب خسفه أن تدركه الشمس وتقضي عليه حين تكويرها :
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) : جمع كلّ في نفسه ، وجمعت الشمس إلى القمر