لتحيط به بعد الفراق المديد (١) ، فلم تكن الشمس ما دامت شمسا لتدرك القمر ولا القمر ما دام قمرا ليدرك : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣٦ : ٤٠) ولكنهما إذا قامت القيامة يخرجان من لا ينبغي إلى ينبغي ويجب ، فإذ يخسف القمر خسوفا في نوره ، تدركه الشمس لانهاء كيانه وخسفه ، فمن معاني كور الشمس جمعها إلى القمر لتجمعه عن قمريته ، كما جمعت هي عن كونها شمسا ، فجمع الشمس هنا يشير إلى تكويرها في نفسها وكورها إلى القمر وعلى القمر (٢) وحقيق لهذا الخسف والجمع أن يبرق البصر ويذهل البشر ، فمن معاني برق البصر أن ينظر إلى برق:
(يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) فمهما اختلق الإنسان هنا لنفسه مفرا عن الحساب وتكاليف يوم الحساب ، فما يصنع يومئذ وهو في واقع الحساب يوم الحساب ، إلا أن يقول متحسرا متحيرا (أَيْنَ الْمَفَرُّ)؟ متسائلا نفسه وأهل الحشر ، بكل فزع وارتياع ـ إذ لا يجد مفرا من قهر الله ونكاله ـ أين المفر الذي كنا نحسبه : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) .. (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) فهذا هو يوم القيامة ، وقد جمعت عظامك وسويت بنانك ف (أَيْنَ الْمَفَرُّ)؟ زمانه ومكانه :
(كَلَّا لا وَزَرَ) وهو الملجأ الذي يلتجئ اليه من الجبل ، فلا ملجأ حينئذ إلا الله ، ولا مستقر إلا إليه :
(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) : مستقر رحمة لك ولمن معك : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٢٥ : ٢٤) (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا
__________________
(١) لم يقل : وجمعت الشمس والقمر ، ليدل بتذكير الضمير أن المجموع هنا هو كل منهما في نفسه ، وكل مع زميله ، جمعا من جهتين.
(٢) راجع ص ١٣٧ ـ ١٤٠ من الجزء الاول من الثلاثين على ضوء إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.