ويبصر كذلك ما عمله من أعمال وما قاله من أقوال ، فهو بصيرة على نفسه على طول الخط (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) وان لفق الأقاويل وتعلق بالمعاذير : آلات العذر وأداته الملقاة يوم الدنيا ويوم الدين ، علّه ينجو من الحساب والعقاب ، (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) : ألقى ستوره مستخفيا ، وأغلق أبوابه متواريا ، فانه هو رقيب على نفسه ، عالم بمستسر غيبه ، فيما يقارفه من معصية ، أو يفارقه من طاعة ، أو يقاربه من ريبة.
هذا؟ أم هذه البصيرة هي الشهود عليه من خارج ذاته ، إضافة إليه ، فعلى نفس الإنسان شهود وحفاظ هي بصيرة عليه ، لا يفلت منهم قالت ولا يعزب عنهم عازب ، مهما تستر وألقى معاذيره : ستوره ، ومهما اعتذر بأسباب يختلقها ويلقيها علّه ينجو ، فانه محاط بذاته وأفعاله ب «بصيرة» إلهية وملائكية وبشرية ورسالية فالله على ما تعملون بصير و (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ورسل الله وأنبيائه كذلك شهداء بصيرة ، فهو غريق في يمّ البصيرة من دواخل ذاته ، فانه على نفسه بصيرة ، ومن سواها ، فان الله قرر على الإنسان عيونا بصيرة (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (٦ : ٦١) وحتى أعضائه بصيرة عليه تتلقى أعماله يوم الدنيا ، وتشهد عليه يوم الدين.
هذا أم ذاك؟ كلّ محتمل ، والجمع أتم وأجمل ، وإن كان الثاني يشمل الأول : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ) حفاظ وشهود «بصيرة» من دواخل ذاته وخوارجها وإن كان الأفضل أدبيا هو الجمع بالدلالتين.
وقد استدل الراسخون في العلم بآية البصيرة على أن الإنسان أعلم بنفسه من غيره فيما ينويه أو يفعله ، وهو حجة على نفسه يحتج الله بها عليه في الدارين (١).
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (ع) ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) هو اعلم بما يطيقه ، والكافي عنه (ع) قال : ما يصنع أحدكم ـ