(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ـ إلى ـ بيانه : آيات أربع اعترضت بين آيات القيامة ، ناهية رسول الهدى عن عجلة اللسان وحركته بالقرآن قبل قضاء وحيه وقرآنه : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٢٠ : ١١٤) فقد أمر باتباع قراءته دون استعجال بها قبلها ، ولا تحريك لسانه بها ، مما يوحي انه (ص) استعجل في قراءة آيات أو حرّك لسانه بها قبل قضاء وحيها وقراءتها ولماذا وكيف؟.
فهل بالإمكان قراءة القرآن قبل قرآنه : نزوله مقروءا؟ وإذ لا! وطبعا لا! فكيف ينهى عنها؟ تجد الجواب في آيات القدر وحم ، الدالة على نزول القرآن المحكم في ليلة القدر ، فلقد كان للرسول (ص) خبرة واطلاق بالقرآن المحكم قبل وحيه المفصل : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١) ويريد الله أن يكون القرآن وحيا مزدوجا : لفظا إلى معنى ، ولا يكفى العلم بوحي المعنى ولا سيما المحكم منه ، عن الوحي المفصل ، الذي فيه وحي اللفظ وتفصيل المعنى ، ففيه زيادة العلم ورجاحة الاعجاز : (.. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١).
فلم تكن العجلة بالقرآن استعجالا في ترداده بعد قراءته لحفظه (٢) ، لمكان النص (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) و (... قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) وقد ضمن الله له بداية الوحي المفصل ألا ينساه : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) وإنما هي لشغفه البالغ في تحلية لسانه بالقرآن المفصل بعد ما تحلى قلبه بالقرآن المجمل ، واعتمادا على هذا العلم المسبق ، ولكن (فَلا تَعْجَلْ ..) (لا تُحَرِّكْ ..) (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) فقد كان قرآنا غير مفروق في الوحي المجمل ، ثم فرقه الله بالمفصل.
وآيتا النهي عن الاستعجال والتحريك توحيان أنه (ص) إنما حرك لسانه
__________________
(١) راجع ٣٠ : ٢ ص ٣٧٣ ـ ٣٧٦ من سورة القدر.
(٢) خلاف ما نراه في بعض الروايات.