فكأنما الإنسان يحسب الحياة أرحاما تدفع وقبورا تبلع ، فوضى وسدى ، وقد «خلقنا للبقاء وكيف يفنى جنة لا تبيد ونار لا تخمد .. إنما نتحول من دار الى دار» (١) ، فما خلقنا دون هدف وحكمة ، لهوا ولعبا وزينة وتفاخرا وتكاثرا في الأموال والأولاد! : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (٢٣ : ١١٥) لم يخلق خلقه عبثا ولم يتركهم سدى ، بل خلقهم لإظهار قدرته وليكلفهم طاعته ، فيستوجبوا بذلك رضوانه ، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة ، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم الى نعيم(٢). وما الحياة العبث السدى إلا لهوا تعالى الله عنه : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) (٢١ : ١٧) ولماذا يعبث بنا ربنا ويلهو؟ هل لنقصان في علم أو حكمة؟ أم بغية ظلم لعباده؟ أم لعجز عن إحياءهم كما بدء؟ وهو الذي خلق أول مرة :
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى. ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى : أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى)؟
فالأكثرية الساحقة من ناكري إحياء الموتى يسندون الى استحالته ، وواقع الخلق من نطفة الى علقة الى مضغة الى عظام والى إنشاء الخلق الآخر : «الروح» برهان لا مرد له على إمكانية الإحياء مرة أخرى وهو أهون وأحرى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) ثم علمه بالمحسن والمسيء والظالم والمظلوم ، وحكمته العالية وعدله تعالى : تفرض الإحياء الممكّن للحساب والجزاء الوفاق!.
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً) : خليّة واحدة حية صغيرة لم تكن تبين بالمكبرات ،
__________________
(١) في العلل قال رجل للصادق (ع) إنا خلقنا للعجب؟ قال : وما ذلك الله أنت؟ قال : خلقنا للفناء؟ فقال يا ابن أخ! خلقنا للبقاء ...
(٢) علل الشرائع عن عمارة : سألت الصادق (ع) فقلت : لم خلق الله الخلق؟ فقال : ...