أنت ولا ربك شيئا ، واني لأعز من مشي بين جبليها .. (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى).
فالآية الاولى تلمح لنكالين في الأولى تلو بعض ، ذاق الأول حياته الكافرة وهو كفره وتكذيبه بما طبع الله على قلبه (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) والثاني يوم بدر إذ قتله المؤمنون ، والآية الثانية توحي لنكاليه بعد قتله : يوم البرزخ ويوم القيامة ، نكال مضاعف في الأولى ، وآخر كذلك في الأخرى ، أولويّات أربع بويلات له في الدارين ، وبعدا له من خيرات النشأتين ، وعلى حد المروي عن الامام الجواد عليه السلام (١).
«أولى لك» : حالك الحاضرة الخاسرة ، إذ تمتطى منحيّا مطاك ليركبك الشيطان ، فما أنت إلا حمارا «فأولى» : لك أن تقتل في سبيل الطاغوت ، كما قتل يور بدر «ثم أولى لك» : حالك المستقبلة بعد الموت يوم البرزخ إذ تحمل خطاياك مع خطايا من سواك من المضلّلين بك ولا ينقص من أوزارهم شيء «فأولى» : بخلود النار يوم القيامة الكبرى : فأنت حمار في الدارين فيهما تتمطى ، وإن كنت هنا بثوب الإنسان وصورته تتغطى!ويلات أربع كلها لك أولى ، فانك فرعون هذه الأمة ، فليأخذك الله نكال الآخرة والأولى.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) :
عود على بدء في التنديد بالإنسان في حسبانه : (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) وهذا هو تركه سدى وهملا ، وإنه بعيد عن عدل الله وحكمته : ألا يجازيه بما فعل وافتعل ، خيرا أو شرا ، أو يختص جزاءه بروحه دون جسمه ، وهما شريكان في الأعمال كلها إلا الروحانيات المحضة ، كالنيات والاعتقادات.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٦٦ في عيون الأخبار عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال سألت محمد بن علي الرضا (ع) عن هذه الآيات ، قال : يقول الله عز وجل : بعدا لك من خير الدنيا وبعدا لك من خير الآخرة ،