وإن فرعون هذه الأمة ابو جهل» (١) كان يأتي الرسول أحيانا يسمع منه القرآن ، ثم يذهب الى أهله متفكها متمطيا كالمطي : «فلا صدق» بما يجب تصديقه ، رغم توفر آيات الصدق ، البينات «ولا صلى» لله : مهانة ونكرانا لله ، وللرسالة الإلهية ، دون أن يتأدب أو يخشى «ولكن كذب» كأنه فقط رزقه من الحياة : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) كذب بقلبه وقوله وفعله «وتولى» بركنه ، مدبرا عن الحق ورسوله (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ) كأن جاء لهم بما يتفكهون «يتمطى» : يمدّ مطاه : ظهره ، كالمطي ، فالمطيّة ما يركب مطاه من حمار وسواه ، فأبو جهل يمدّ مطاه ليركبه الشيطان ، وهو يحمل الى أهله تفكّه الهزء والطغيان ، مختالا فخورا بما فعل ، كأنه يرفع من شأنه ، وما هو إلا حمارا ، يقرب من خطاه ويمدّ مطاه.
وكم من آباء جهالات في تاريخ الرسالات الإلهية ، يعيشون مطايا ، ويحملون خطايا ، يتبهجون تفننا في الصدّ عن سبيل الله (مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً) وهم يفخرون ويتمطون حياتهم بما بغوا ومكروا ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله» فأولى لهم ثم أولى :
(أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) :
كلمة تسفيه وتقبيح ، وتوعيد بأشد وعيد ، تشمل الأولى والأخرى ، توجّه الى الذين في قلوبهم مرض ، مادّين مطاهم فاخرين : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ) (٤٧ : ٢٠).
وقد أمسك رسول الله (ص) بخناق أبي جهل مرة وهزّه قائلا : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى. ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) فقال : أتوعّدني يا محمد! والله لا تستطيع
__________________
(١) الدر المنثور ٧ : ١٢٩٦ اخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن منذر عن قتادة عنه (ص).