أو انها لتقسيم السبيل الى شاكر أو كفور ، إذا كانا حالين للسبيل أو بدلين عنهما : هديناه سبيل الشكر وسبيل الكفر ، وما أجمل التعبير عن السبيل الواضح بالشاكر والكفور ، كأنهما مندغمان في السبيل لكثرة وضوحهما فيها كالشمس في رايعة النهار : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ).
والآية تتحمل المعنيين معا لفظيا ومعنويا ، فليكونا مقصودين ، والشكر علّه من الكشر : الكشف ، وهو تصور النعمة وإظهارها ، بخلاف الكفر ، أو انه «الأخذ بها ، وكفرها وتركها» (١) وأكمله الأخذ باللسان كله ، والجنان كله ، والأركان كلها ، أن يصبح المنعم عليه شكرا للمنعم في كيانه ككل ، وكامله الأخذ مبدئيا في الكلّ مع تسرّب اللمم أحيانا ، وناقصه الأخذ بالبعض ، وكله أخذ وشكر وتركه كفر ، كلّ على حدّه ، وهذه المعاني الثلاثة متقاربة أو مترادفة تعني : إظهار النعمة وصرفها فيما أوتيت لأجلها ، فاللسان معبر عما في الجنان ، والأركان تعبر بأعمالها عن مدى الإيمان ، وعلى حدّ المروي عن الرسول (ص): «كل مولود يولد على الفطرة حتى يعبر عنه لسانه فإذا عبّر عنه لسانه إما شاكر وإما كفور» (٢).
ومقابلة «شاكرا» ب «كفورا» وهي صيغة موغلة في الدلالة على الكفران ، دون «كافر» هذه المقابلة توحي بأن غير الشاكر كفور ، فان ترك الشكر بهذه الموهبات الربانية كفران لها وكفر بالرب ، وكفر بالفطرة والضمير والعقل : الدافعة الى الشكر ، وكفر بحملة الرسالات الربانية ، إذا
__________________
(١) التوحيد للصدوق عن الامام الصادق (ع) واصول الكافي عنه (ع) والقمي عن الامام الباقر (ع) في الآية قالا : «إما آخذ فهو شاكر وإما تارك فهو كافر» (نور الثقلين ٥ : ٤٦).
(٢) الدر المنثور ٦ : ٢٩٨ ـ اخرج احمد وابن المنذر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص).