تعالى ، فالإنسان السميع البصير لا يكاد يخفى عليه ما ينفعه في ابتلاءه واهتداءه السبيل ، وقليل هؤلاء الذين يتذرعون هذه الوسائل لاهتداء السبيل :
(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) : السبيل هي الطريق الذي فيه سهولة ، سبيل الخير لتطلب وسبيل الشر لتجتنب : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٩٠ : ١٠) ولقد يسر الله هاتين السبيلين للإنسان : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٨٠ : ٢٠) فهداية السبيل وتيسيرها ، يوحيان بيسر على يسر مندغمين في ذات الإنسان ، مركّزين في نجدي الخير والشر (١) (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ).
فالهداية ـ هنا ـ هي دلالة الطريق : فطريا وعقليا وأمثالهما من سائر التكوين ، وتشريعيا بكتابات الوحي وأنبياءها ودعاتها ورعاتها.
والسبيل هنا تعم النجدين : الخير والشر ، إذ ألهمناهما : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٩١ : ٩). فإن لاستبانة سبيل المجرمين دخلا عظيما ودافعا لسلوك سبيل المؤمنين : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (٦ : ٥٥) فليست هداية سبيل الله كافية في اجتناب سبيل الطاغوت ، فلنهتد السبيلين ، لكي نكون على بصيرة منهما في الضلالة والهدى ، وتتم حجة الله علينا فيهما : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦ : ١٥٣).
(إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) : «إما» هنا ليست للترديد في علم الله تعالى ، وإنما ايحاء لتردد الإنسان بين الأمرين تخييرا دون تسيير ، فيما إذا كان شاكرا أو كفورا حالين من الإنسان أو خبرين ليكون المقدر.
__________________
(١) راجع ج ٣٠ ص ١٢٢ ـ ١٢٣ «ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ».