بإكمال وسائله الاختيارية؟ إذا (فَجَعَلْناهُ) تفريع على نبتليه : فلكي نكمل ابتلاءه جعلنا له وسائله.
أم إنها حال من الإنسان في التطورات الجنينية (فَجَعَلْناهُ) بعد ابتلاءه هذا (سَمِيعاً بَصِيراً)؟ وأهم الابتلاء إنما هو في الحياة ولا سيما حياة التكليف!
طالما يعم قبلها منذ النطفة حتى الولادة حتى عقل التكليف! أم حال منه في حياة التكليف فحسب فابتلاءه إذا بعد جعل السمع والبصر؟ وهذا يقتضي قلب الجملة جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه وهو خلاف الفصيح!
أم غاية لخلقته : خلقنا الإنسان .. لنبتليه فجعلناه .. وهذا تكلّف دون دليل! والاول أشمل وأوفق لفظيا ومعنويا دون تكلف : حال أنا «نبتليه» لهذه الحالة التي هي ايضا غاية : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لتحسن حالة الابتلاء!
والسمع والبصر هما العنصران الأساسيان للابتلاء ، ولا يعنيان الجارحتين فحسب ، لأن مدار الابتلاء هو سمع العقل وبصر القلب ، ففاقدهما لا يبتلى مهما كان قويا في سمع الظاهر وبصره ، فأصل الابتلاء هو السمع والبصر عقليا وقلبيا ، وكماله السمع والبصر قالبيا (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ)(١) ولا يبتلى ويكلف من لا يجدهما عقليا ، دون العكس.
والسميع والبصير هما مبالغتان في السمع والبصر ، ما ذكرا في القرآن إلا وصفين لله ، إلا في موضعين ثانيهما : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ) (١١ : ٢٤) مما يدل على أهمية التوصيف بهما لغير الله
__________________
(١) راجع الى تفسير هذه الآية في سورة الملك.