ومشج سادس : هو خلط الطبائع الكامنة في النطفة من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة ، وتبتني البنية الحيوانية المعدّلة الأخلاط منها ، التي هي ظروف ومجالات فاسحة لتصرفات الروح : الغضبية والشهوية والعقلية وأمثالها ، والى أمشاج أخرى لم تصل إليها أيدي العلم حتى الآن.
وكما الإنسان حين نزول القرآن ما كان يدري شيئا من هذه الأمشاج ، مما حمل جماعة من المفسرين يحاولون في جعل الأمشاج مفردا ، وجماعة أخرى ساكتون عن تفسير الجمع بعد تصديقه ، وثالثة يكتفون بمشج ماءي الذكر والأنثى ، رغم ان للقرآن آيات متشابهات يفسرها الزمن!
(... نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) :
الابتلاء هو نقل الشيء من حال الى حال ، ومن طور الى طور ، كابتلاء الذهب من كدر الى صفاء في البوتقة ، والإنسان كائن متطور متنقل منذ النطفة حتى الممات ، روحيا وجسدانيا ، وكافة تطوراته هي من فعل الله وابتلاءه ، سواء أكانت من سعيه ، كالمختار فيها بعقله وحوله ، أم سواها مما لا حيلة له فيها ، من التطورات الجنينية وسواها ، من نطفة الى علقة والى آخر الأطوار المتعاقبة حتى إنشاءه خلقا ، ثم من ولادته الى وفاته من حياة التكليف والإختيار وسواهما ، وإنما ابتلاءه في حياة العقل والتكليف يتطلب السمع والبصر قلبا وقالبا ، ولكي يصدر الإنسان بهما وبسائر وسائل الإدراك ، من آفاق التكوين والتشريع الى عقله وقلبه ، استزادة للوعي واهتداء الى ما يجهله بما هداه الله السبيل ، وليكون أحسن المخلوقين ، فإما شاكرا وإما كفورا.
فهل إن «نبتليه» هنا حال من الإنسان منذ النطفة حتى الممات؟ وابتلاءه من غايات خلقه ـ المهمة : (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) لتكملة هذا الابتلاء