صاحب هذه الرسالة صبرا طويلا لحكم ربه : صبرا يساير الحكم تثبيتا وتنفيذا ، وصبرا يدافع عنه إذ يصدر أمر ربه بملاحقة المعارضين.
إنها ملابسات معركة مصيرية واحدة يخوضها كل صاحب دعوة في أي عصر ومصر ، فليصبر صبرا جميلا صارما في وجه الطغاة دون انفلات عن الدعوة ولا فشل ، لعلّ الله يحدث بعد ذلك أمرا ، ودون أن يطيع منهم آثما أو كفورا ، فهناك طرق لهم شتى من الإغراء والإطراء ، والتهديد والإيذاء ، ليلتقي بهم صاحب الدعوة في منتصف الطريق ويسايرهم مداهنا ، ولكنه نقص في الدعوة ونقض لها ، فلتكن صارمة صابرة دون انزلاق عنها ولا قيد شعرة ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) :
إن العبء ثقيل ، والطريق لتحقيق أمر الله طويل ، فلا يكتفى فيه بزاد قليل ، بل ذكرا لله تعالى بكرة وأصيلا ، والسجود والتسبيح ليلا طويلا ، اتصالا دائبا بالمصدر الذي نزل عليك القول الثقيل ، لتخف عليك أتعاب الدعوة ومشاغبها وعراقيلها.
والبكرة هي الصبح ، والذكر الواجب فيها هي صلاة الصبح ، والأصيل من الأصل هي قاعدة النهار وأصله في الطرف الأخير ، والواجب فيه صلاة العصر ، والسجدة المأمور بها ليلا هي فريضة الليل : العشاءان أم إحداهما ، والآية على أية حال لا تشمل الفرائض الخمس كلها ، كآية هود : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) (١١ : ١١٤) مما يدل على مكيتهما ونزولهما قبل فرض الخمس ، وقد نوافيكم بالبحث الفصل حولها في طيات آياتها.
(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) :
إن الأثمة والكفرة يحبون الحياة العاجلة ، حبّا لا يبقي لهم ولا يذر