وروحية ، ملائكية وبشرية وسواهما كرياح الرحمة (١) ، آفاقية كهذه أو أنفسية كالفطر والعقول ، والعرف هو المتتابع كعرف الفرس ، والمرسلات الإلهية متتابعة كالآيات القرآنية النازلة تترى ، والعرف هو المعروف من الإحسان : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) (٧ : ١٩٩) وهذه المرسلات هي عرف بذواتها ، عرف بطاقاتها ، عرف في إرسالها ، عرف في رسالاتها وغاياتها ، أرسلت حا لكونها عرفا ، وأرسلها الله عرفا ، ولغاية هي العرف : المعروف من الإحسان ، رغم ما يبدّله الإنسان ويواجهه بغير احسان (٢).
فملائكة الوحي والحياة والموت والتدبير ، من المرسلات عرفا ، كما النبيون أجمع ، مرسلات روحية في الآفاق ، وكما العقول والفطر مرسلات روحية في الأنفس : معروفا من الإحسان متتابعا.
كما وأن رياح الرحمة وأمطارها وأشباهها مرسلات مادية ، فهذه المرسلات وتلك ترسل عرفا وتهدف عرفا وهي عرف في ذواتها وصفاتها ، وكلها تشهد شهادات عينية وعلمية وعقلية (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ)!
(فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) : توحي الفاء هنا أن العاصفات هي من المرسلات ـ وان كانت بعدها عصفا ـ فمنها عاصفات ومنها دون ذلك ، والعصف هو شدة المرور ، وهو الكسر ، وهو المكسور من العلوفة كعصف مأكول.
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٣٠٣ ـ أخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن جده قال قال رسول الله (ص): «الرياح ثمان اربع منها عذاب وأربع منها رحمة ، فالعذاب منها العاصف والصرصر والعقيم والقاصف ، والرحمة منها الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات ، فيرسل الله المرسلات فتثير السحاب ، ثم يرسل المبشرات فتلقح السحاب ، ثم يرسل الذاريات فتحمل السحاب فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر وهي اللواقح ، ثم يرسل لنا الناشرات فتنشر ما أراد».
(٢). وعرفا على ترتيب هذه المعاني : حال من المرسلات ، حال للمرسل ، مفعول لأجله من الإرسال.