إنه ليس ملكا ومالكا يملك ملكه وملكه ، إنما هما بيده لا سواه ، وهما له لا سواه ، وكل مالك مملوك إلا إياه ، وكل ملك يملك عليه سواه : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ..) (٣ : ٢٦) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) (١٧ : ١١١).
وفيما إذا يؤتي ملكه من يشاء لا يتحلل هو عنه ، ولا يؤتيه الملك الخاص به : (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢ : ٢٤٧).
فالملك الحق من الخلق ليس وكيلا عن الله بانعزاله ـ سبحانه ـ عن شيء من الملك ، ولا شريكا له وليا من الذل ، ولا معينا يعينه ـ بعض الشيء ـ في الملك ، وإنما يؤتاه تطبيقا لحكمه العدل بين الخلق ، بشيرا ونذيرا ، دون أن يكون له من الأمر شيء : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) (٣ : ١٢٨) (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (٢٣ : ١١٦) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ..) (٥٩ : ٢٣).
(تَبارَكَ) ولأنه بيده الملك فهو متبارك : متعاظم بذاته وصفاته وأفعاله ، لا تحد بركاته ولا يمدد فيها وإنما يمدد ، ولا تعد نعمائه (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) وبما أن الملك يخصه ، فالبركة أيضا تخصه :
(الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) ان اليد ـ هنا وفي سواه مما نسبت إلى الله ـ توحي بالسلطة الإلهية اللامحدودة غير المغلوبة ، والملك قرينة أخرى إضافة إلى القرينة العقلية ، يوحي أن اليد هنا ليست هي الجارحة الجسدانية ، فإن الملك لا تصله هذه اليد ، وإنما السلطة ، وتقديم الظرف (بِيَدِهِ) والاستغراق المستفاد من (الْمُلْكُ) يفيد ان الحصر ، أن الملك ـ أيا كان ـ إنما هو بيد الله.
والملك أعم من ملك الخلق والتقدير والتدبير ، ومن ملك النبوة والسلطة الزمنية ، ولماذا يؤتيها الفجار إذا كانت هي أيضا منه تعالى؟ له تأويل يأتي في محله الأنسب.