كلام في القدرة الإلهية :
(وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) : فما هو كل شيء ، وما هي القدرة؟
فهل يقدر ربّنا أن يجمع بين المتناقضين ذاتيا ، أو يخلق نفسه ، أو يخلق مثله ، أو يلد من لا يولد ولا يخلق ، أو أن يدخل الدنيا في بيضة دون أن تصغر الدنيا أو تكبر البيضة ، أو ما إلى ذلك من المستحيلات الذاتية عقليا؟.
نقول : الأمور المتصورة ـ من حيث تعلق القدرة بها وعدم تعلقها ـ على أربعة أضرب :
١ ـ الكائنات التي بالإمكان تحويرها وتغييرها ، دون حاجة إلى معجزة أو اختراع ، فهي من أبسط الأشياء التي تتعلق بها القدرة.
٢ ـ التي تحتاج إلى قواعد علمية كالمخترعات ، فهي قبل اختراعها قد تزعم مستحيلة ، ولكنما العلم يثبت إمكانيتها.
٣ ـ التي لا تقدر المحاولات العلمية عليها من الطرق العادية ، كمعجزات النبيين ، التي يزعمها الإنسان ـ ولا سيما المتحلل عن وحي السماء ، الشاك فيه ـ يزعمها : من المستحيلات ، ولكنها من الممكنات الذاتية ، مهما كانت مستحيلة بالنسبة للقدرات المحدودة.
ومن هذه خلق العالم لا من شيء ، وسائر الاختصاصات الإلهية في خلقه المبدع ، فاللاشيء الذي بالإمكان إيجاده بالقدرة اللّامحدودة ، إنه يستحق اسم الشيء بهذه الإمكانية الاستعدادية لقبول الخلق ، سواء أخلق أم لم يخلق ، فالمادة الأولية كانت هي اللاشيء الممكن إيجاده ، وقد خلقت ، والسماوات الثمانية وما فوقها ، كانت اللاشيء الممكن إيجاده ولم تخلق ، ولكنهما على سواء في أنهما شيء لإمكانية خلقهما ، مهما كانت الأولى راجحة في الحكمة والثانية مرجوحة ، فهي من المستحيل عرضيا ، لا ذاتيا.