ومنزلتهم عند الله منزلتهم. والعجب من المجبرة كيف عكسوا (١) في كل شيء وكابروا ، حتى جسرتهم عادة المكابرة على العظيمة التي هي تفضيل الإنسان على الملك ، وذلك بعد ما سمعوا تفخيم الله أمرهم وتكثيره مع التعظيم ذكرهم ، وعلموا أين أسكنهم ، وأنى قربهم ، وكيف نزلهم من أنبيائه منزلة أنبيائه من أممهم ، ثم جرّهم فرط التعصب عليهم إلى أن لفقوا أقوالا وأخبارا منها : قالت الملائكة (٢) : ربنا إنك أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون منها ويتمتعون ولم تعطنا ذلك ، فأعطناه في الآخرة. فقال : وعزتي وجلالي ، لا أجعل ذرّية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان (٣). ورووا عن أبى هريرة أنه قال : لمؤمن (٤) أكرم على الله من الملائكة الذين عنده. ومن ارتكابهم أنهم فسروا (كَثِيرٍ) بمعنى «جميع» في هذه الآية ، وخذلوا حتى سلبوا الذوق فلم يحسوا ببشاعة قولهم : وفضلناهم على جميع ممن خلقنا ، على أن معنى قولهم «على
__________________
(١) قوله «والعجب من المجبرة كيف عكسوا» يعنى أهل السنة. وقوله «تفضيل الإنسان» يعنون المؤمن. ويدل لمذهبهم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) وأما الذين كفروا فهم شر البرية ، ودعوى العكس من فرط التعصب للمعتزلة. (ع)
(٢) قوله «قالت الملائكة ربنا إنك أعطيت بنى آدم الدنيا» صدره كما في الخازن : لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة ، وقوله «خلقت بيدي» في الخازن : ونفخت فيه من روحي. (ع)
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن ماهان حدثنا طلحة بن زيد عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الملائكة قالت رب أعطيت بنى آدم الدنيا يأكلون فيها ويشربون ويلبسون : ونحن نسبح بحمدك لا نأكل ولا نشرب ولا نلهو. فكما جعلت لهم الدنيا فاجعل لنا الآخرة. قال : لا أجعل ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له. كن فكان» قال : لم يروه عن صفوان إلا طلحة وأبو غسان تفرد به طلحة محمد بن ماهان. وعن أبى غسان حجاج الأعور أخرج طريق حجاج في المعجم الكبير ورجاله ثقات. وله شاهد عند عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن زيد بن أسلم قال قالت الملائكة فذكر نحوه موقوفا عليه. وقال الدارقطني في العلل : روى عبد المجيد بن أبى داود عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عمر. فذكر نحوه قال : ورواه شريح بن يونس عن عبد المجيد موقوفا. وهو أصح. وله شاهد آخر أخرجه الطبراني في مسند الشاميين والبيهقي في الأسماء والصفات من رواية عبد ربه بن صالح عن عروة بن رويح أنه سمعه يحدث عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة. فقال تعالى لا أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له : كن فكان» ومنها ما رواه عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال «لمؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده» البيهقي في الشعب من رواية حماد بن سلمة عن أبى المهزم عن أبى هريرة موقوفا. وأخرجه ابن ماجة من هذه الطريق موقوفا. وأبو المهزم متروك : وله شاهد أخرجه الطبراني والبيهقي في الشعب من رواية عبيد الله بن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما شيء أكرم على الله يوم القيامة من بنى آدم. قيل : ولا الملائكة. قال : ولا الملائكة. الملائكة مجبورون كالشمس والقمر» قال البيهقي : تفرد به عبيد الله بن تمام يروى أحاديث معاوية وهو ضعيف.
(٤) قوله «قال لمؤمن أكرم على من الملائكة» في الخازن : المؤمن. (ع)