أحق بأن يتخذوا هزؤا منك ، فإنك محق وهم مبطلون. وقيل معنى (بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) قولهم : ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة ، وقولهم (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) وقيل (بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) بما أنزل عليك من القرآن. والجملة في موضع الحال ، أى : يتخذونك هزؤا ، وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله.
(خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣٨)
كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى العلم والإقرار (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) فأراد نهيهم عن الاستعجال وزجرهم ، فقدم أو لا ذم الإنسان على إفراط العجلة ، وأنه مطبوع عليها ، ثم نهاهم وزجرهم ، كأنه قال : ليس ببدع منكم أن تستعجلوا فإنكم مجبولون على ذلك وهو طبعكم وسجيتكم. وعن ابن عباس رضى الله عنه : أنه أراد بالإنسان آدم عليه السلام ، وأنه حين بلغ الروح صدره ولم يتبالغ فيه أراد أن يقوم. وروى أنه لما دخل الروح في عينه نظر إلى ثمار الجنة ، ولما دخل جوفه اشتهى الطعام. وقيل خلقه الله تعالى في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس ، فأسرع في خلقه قبل مغيبها. وعن ابن عباس رضى الله عنه أنه النضر بن الحرث. والظاهر أن المراد الجنس. وقيل «العجل» : الطين ، بلغة حمير. وقال شاعرهم :
والنّخل ينبت بين الماء والعجل (١)
والله أعلم بصحته. فإن قلت : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) وقوله (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) أليس هذا من تكليف ما لا يطاق؟ قلت : هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها ، لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة. وقرئ : خلق الإنسان.
(لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)(٤٠)
__________________
(١) النبع في الصخرة الصماء منبته |
|
والنخل ينبت بين الماء والعجل |
يقول : النبع وهو شجر تتخذ منه القسي ، في الصخرة الصماء الصلبة لا في غيرها ، منبته أى نباته ، والنخل ينبت في الأرض اللينة الريانة ، فهو بين الماء والعجل ، أى : الطين. وهذه لغة حمير كما قيل. والظاهر أن الشطر الأول التمثيل للصعب البخيل. والثاني للسهل الجواد. ويجوز أن الأول للشجاع. والثاني للجبان ؛ لشدة الأول ورخاوة الثاني.