ولكن :
إذا الله سنّى عقد شيء تيسّرا (١)
روى أن آزر خرج به في يوم عيد لهم ، فبدؤا ببيت الأصنام فدخلوه وسجدوا لها ووضعوا بينها طعاما خرجوا به معهم وقالوا : إلى أن نرجع بركت الآلهة على طعامنا ، فذهبوا وبقي إبراهيم فنظر إلى الأصنام وكانت سبعين صنما مصطفة ، وثم صنم عظيم مستقبل الباب ، وكان من ذهب وفي عينيه جوهرتان تضيئان بالليل ، فكسرها كلها بفأس في يده ، حتى إذا لم يبق إلا الكبير علق الفأس في عنقه. عن قتادة : قال ذلك سرا من قومه ، وروى : سمعه رجل واحد (جُذاذاً) قطاعا ، من الجذ وهو القطع. وقرئ بالكسر والفتح. وقرئ : جذذا. جمع جذيذ ، وجذذا جمع جذة. وإنما استبقى الكبير لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه ، لما تسامعوه من إنكاره لدينهم وسبه لآلهتهم ، فيبكتهم بما أجاب به من قوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ) وعن الكلبي (إِلَيْهِ) إلى كبيرهم. ومعنى هذا : لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات ، فيقولون له : ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحا والفأس على عاتقك؟ قال هذا بناء على ظنه بهم ، لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها. أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم واستجهالا ، وأن قياس حال من يسجد له ويؤهله للعبادة أن يرجع إليه في حل كل مشكل. فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم ، فأى فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم صلوات الله عليه غرضا؟ قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر ، وظهر أنهم في عبادته على جهل عظيم.
(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ)(٥٩)
أى أن من فعل هذا الكسر والحطم لشديد الظلم ، معدود في الظلمة : إمّا لجرأته على الآلهة الحقيقة عندهم بالتوقير والإعظام ، وإمّا لأنهم رأوا إفراطا في حطمها وتماديا في الاستهانة بها.
(قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ)(٦١)
__________________
(١)
وأعلم علما ليس بالظن أنه |
|
إذا الله سنى عقد شيء تيسرا |
ذكر المصدر توكيدا دافعا للتجوز في الفعل ، ثم بين المراد بقوله «ليس بالظن» ويجوز أنه ذكره توطئة لوصفه بأنه غير ظن. وسنيت الشيء : فككته وسهلته. والعقد : مستعار للصعوبة تصريحا ، أى : إذا سهل الله صعوبة شيء وأزالها ، سهل تحصيله أو دفعه إن كان محبوبا أو مكروها.