(وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)(٧١)
دل بهذا على عظم شأن الحق ، وأنّ السماوات والأرض ما قامت ولا من فيهن إلا به ، فلو اتبع أهواءهم لانقلب باطلا ، ولذهب ما يقوم به العالم فلا يبقى له بعده قوام. أو أراد أنّ الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهو الإسلام ، لو اتبع أهواءهم وانقلب شركا ، لجاء الله بالقيامة ولأهلك العالم ولم يؤخر. وعن قتادة : أنّ الحق هو الله. ومعناه : ولو كان الله إلها يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي ، لما كان إلها ولكان شيطانا ، ولما قدر أن يمسك السماوات والأرض (بِذِكْرِهِمْ) أى بالكتاب الذي هو ذكرهم ، أى : وعظهم أو وصيتهم وفخرهم : أو بالذكر الذي كانوا يتمنونه ويقولون : لو أنّ عندنا ذكرا من الأوّلين لكنا عباد الله المخلصين. وقرئ : بذكراهم.
(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(٧٢)
قرئ : خراجا فخراج. وخرجا فخرج. وخرجا فخراج : وهو ما تخرجه إلى الإمام من زكاة أرضك ، وإلى كل عامل من أجرته وجعله. وقيل : الخرج : ما تبرعت به. والخراج : ما لزمك أداؤه. والوجه أنّ الخرج أخص من الخراج ، كقولك : خراج القرية ، وخرج الكردة ، زيادة اللفظ لزيادة المعنى ، ولذلك حسنت قراءة من قرأ : خرجا فخراج ربك ، يعنى : أم تسألهم على هدايتك لهم قليلا من عطاء الخلق ، فالكثير من عطاء الخالق خير.
(وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٣) وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ)(٧٤)
قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات وقطع معاذيرهم وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله ، مخبور سرّه وعلنه ، خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم ، وأنه لم يعرض له (١) حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ، ولم يجعل ذلك سلما إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ، ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم ، مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل ، واستهتارهم (٢) بدين الآباء الضلال من
__________________
(١) قوله «لم يعرض» لعله : لم يعرض له جنون. (ع)
(٢) قوله «واستهتارهم بدين الآباء الضلال» في الصحاح : فلان مستهتر بالشراب ، أى : مولع به لا يبالى ما قبل فيه. (ع)