لهذه الآية ، وإذا باشرها كان زانيا. وقد أجازه ابن عباس رضى الله عنهما وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك؟ فقال : أوله سفاح وآخره نكاح. والحرام لا يحرم الحلال. وقيل : المراد بالنكاح الوطء ، وليس بقول لأمرين ، أحدهما : أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم ترد إلا في معنى العقد. والثاني : فساد المعنى وأداؤه إلى قولك : الزاني لا يزنى إلا بزانية والزانية لا يزنى بها إلا زان. وقيل : كان نكاح الزانية محرّما في أول الإسلام ثم نسخ ، والناسخ قوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ). وقيل الإجماع ، وروى ذلك عن سعيد بن المسيب رضى الله عنه. فإن قلت : أى فرق بين معنى الجملة الأولى ومعنى الثانية؟ قلت : معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر. ومعنى الثانية : صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ولكن للزناة ، وهما معنيان مختلفان (١). فإن قلت : كيف قدمت الزانية على الزاني أولا ، ثم قدم عليها ثانيا؟ قلت : سيقت تلك الآية لعقوبتهما على ما جنيا ، والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية ؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تومض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن ، فلما كانت أصلا وأولا في ذلك بدأ بذكرها. وأمّا الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه ، لأنه هو الراغب والخاطب ،
__________________
(١) قال محمود : «إن قلت أى فرق بين الجملتين في المعنى؟ قلت : معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ، ولكن في الفواجر ومعنى الثانية صفة الزانية بكونها غير مرغوب فيها للأعفاء ولكن للزناة وهما معنيان مختلفان» قال أحمد : وليس فيما ذكره إيضاح إطباق الجملتين. ونحن نوضحه فنقول : الأقسام أربعة : الزاني لا يرغب إلا في زانية. الزانية لا ترغب إلا في زان. العفيف لا يرغب إلا في عفيفة. العفيفة لا ترغب إلا في عفيف. وهذه الأقسام الأربعة مختلفة المعاني ، وحاصرة للقسمة فنقول : اختصرت الآية من هذه الأربعة قسمين ، واقتصرت على قسمين أحرى من المسكوت عنهما ، فجاءت مختصرة جامعة ، فالقسم الأول صريح في القسم الأول ويفهم الثالث ، والقسم الثاني صريح في القسم الثاني ويفهم الرابع ، والقسم الثالث والرابع متلازمان ، من حيث أن المقتضى لانحصار رغبة العفيف في العفيفة هو اجتماعهما في العفة ، وذلك بعينه مقتض لانحصار رغبتها فيه ، ثم يقصر التعبير عن وصف الزناة والأعفاء بما لا يقل عن ذكر الزناة وجودا وسلبا ، فان معنى الأول الزانية لا ينكحها عفيف ، ومعنى الثاني : العفيفة لا ينكحها زان. والسر في ذلك أن الكلام في أحكامهم ، فذكر الأعفاء بسلب نقائصهم ، حتى لا يخرج بالكلام عما هو المقصود منه ، ثم بينه في إسناد النكاح في هذين القسمين المذكور دون الإناث ، بخلاف قوله (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) فانه جعل لكل واحد منهما ثم استقلالا ، وقدم الزانية على الزاني. والسبب فيه أن الكلام الأول في حكم الزنا ، والأصل فيه المرأة لما يبدو منها من الايماض والاطماع ، والكلام الثاني في نكاح الزناة إذا وقع ذلك على الصحة ، والأصل في النكاح الذكور وهم المبتدءون بالخطبة ، فلم يسند إلا لهم لهذا ـ وإن كان الغرض من الآية تنفير الأعفاء من الذكور والإناث من مناكحة الزناة ذكورا وإناثا ، زجرا لهم عن الفاحشة ـ ولذلك قرن الزنا والشرك. ومن ثم كره مالك رحمه الله مناكحة المشهورين بالفاحشة ، وقد نقل بعض أصحابه الإجماع في المذهب على أن للمرأة أو لمن قام من أوليائها فسخ نكاح الفاسق. ومالك أبعد الناس من اعتبار الكفاءة إلا في الدين. وأما في النسب ، فقد بلغه أنهم فرقوا بين عربية ومولى فاستعظمه وتلا (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).