متطاولة : أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم. فإن قلت : ما معنى قوله (كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً)؟ قلت : هو كقوله : (نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) فمدح الثواب ومكانه ، كما قال : (بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) فذم العقاب ومكانه لأنّ النعيم لا يتم للمتنعم إلا بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة ، وأن لا تنغص ، وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع (١) وضيقه وظلمته وجمعه لأسباب الاجتواء والكراهة ، فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء. والضمير في (كانَ) لما يشاءون. والوعد : الموعود ، أى : كان ذلك موعودا واجبا على ربك إنجازه ، حقيقا أن يسئل ويطلب ، لأنه جزاء وأجر مستحق وقيل : قد سأله الناس والملائكة في دعواتهم : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) ، (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) ، (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ).
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً)(١٨)
يحشرهم. فيقول. كلاهما بالنون والياء ، وقرئ : يحشرهم ، بكسر الشين (وَما يَعْبُدُونَ) يريد : المعبودين من الملائكة والمسيح وعزير. وعن الكلبي : الأصنام ينطقها الله. ويجوز أن يكون عاما لهم جميعا. فإن قلت : كيف صحّ استعمال (ما) في العقلاء؟ قلت : هو موضوع على العموم للعقلاء وغيرهم ، بدليل قولك ـ إذا رأيت شبحا من بعيد ـ : ما هو؟ فإذا قيل لك : إنسان ، قلت حينئذ : من هو؟ ويدلك قولهم «من» لما يعقل. أو أريد به الوصف ، كأنه قيل : ومعبوديهم. ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد : ما زيد؟ تعنى : أطويل أم قصير؟ أفقيه أم طبيب؟ فإن قلت : ما فائدة أنتم وهم؟ وهلا قيل أضللتم عبادي هؤلاء ، أم هم (٢) ضلوا السبيل؟ قلت. ليس السؤال عن الفعل ووجوده ، لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب ، وإنما هو عن متوليه ، فلا بد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام ، حتى يعلم أنه المسئول عنه. فإن قلت : فالله سبحانه قد سبق علمه بالمسؤول عنه ، فما فائدة هذا السؤال؟ قلت : فائدته أن يجيبوا بما
__________________
(١) قوله «بغثاثة الموضع» أى فساده ورداءته. والاجتواء : كراهة المقام بالمكان. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قوله «أم هم ضلوا» لعله أم ضلوا ، كعبارة النسفي. (ع)