بالساعة. ويجوز أن يتصل بما يليه ، كأنه قال : بل كذبوا بالساعة ، فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب ، وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بالآخرة. السعير: النار الشديدة الاستعار. وعن الحسن رضى الله عنه : أنه اسم من أسماء جهنم (رَأَتْهُمْ) من قولهم : دورهم تترا (١) ، أى : وتتناظر. ومن قوله صلى الله عليه وسلم «لا تراءى ناراهما» (٢) كأن بعضها يرى بعضها على سبيل المجاز. والمعنى : إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها. وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر. ويجوز أن يراد : إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضبا على الكفار وشهوة للانتقام منهم. الكرب مع الضيق ، كما أن الروح مع السعة ، ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السماوات والأرض. وجاء في الأحاديث : أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا ، ولقد جمع الله على أهل النار أنواع التضييق والإرهاق ، حيث ألقاهم في مكان ضيق يتراصون فيه تراصا ، كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما في تفسيره أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح ، وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون في السلاسل : قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الجوامع. وقيل : يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد. والثبور : الهلاك. ودعاؤه أن يقال : وا ثبوراه ، أى : تعال يا ثبور فهذا حينك وزمانك (لا تَدْعُوا) أى يقال لهم ذلك : أو هم أحقاء بأن يقال لهم ، وإن لم يكن ثمة قول ومعنى (وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً) أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا ، إنما هو ثبور كثير ، إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته. أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها ، فلا غاية لهلاكهم
(قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٦)
الراجع إلى الموصولين محذوف ، يعنى : وعدها المتقون وما يشاءونه. وإنما قيل : كانت ، لأن ما وعده الله وحده فهو في تحققه كأنه قد كان. أو كان مكتوبا في اللوح قبل أن برأهم بأزمنة
__________________
(١) قال محمود : «هو من قولهم : دور بنى فلان تترا ، أى على المجاز» قال أحمد : لا حاجة إلى حمله على المجاز فان رؤية جهنم جائزة ، وقدرة الله تعالى صالحة ، وقد تظافرت الظواهر على وقوع هذا الجائز ، وعلى أن الله تعالى يخلق لها إدراكا حسيا وعقليا. ألا ترى إلى قوله (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً) وإلى محاجتها مع الجنة ، وإلى قولها (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وإلى اشتكائها إلى ربها فأذن لها في نفسين ، إلى غير ذلك من الظواهر التي لا سبيل إلى تأويلها ، إذ لا محوج إليه. ولو فتح باب التأويل والمجاز في أحوال المعاد ، لتطوح الذي يسلك ذلك إلى وادى الضلالة والتحير إلى فرق الفلاسفة ، فالحق أنا متعبدون بالظاهر ما لم يمنع مانع ، والله أعلم.
(٢) تقدم في المائدة.