سبب الشكر ، سبب الكفر ونسيان الذكر ، وكان ذلك سبب هلاكهم ، فإذا برأت الملائكة والرسل أنفسهم من نسبة الإضلال الذي هو عمل الشياطين إليهم واستعاذوا منه ، فهم لربهم الغنىّ العدل أشدّ تبرئة وتنزيها منه ، ولقد نزهوه حين أضافوا إليه التفضل بالنعمة والتمتيع بها ، وأسندوا نسيان الذكر والتسبب به للبوار إلى الكفرة. فشرحوا الإضلال المجازى الذي أسنده الله تعالى إلى ذاته في قوله (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) ولو كان هو المضل على الحقيقة لكان الجواب العتيد أن يقولوا : بل أنت أضللتهم. والمعنى : أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق؟ أم هم ضلوا عنه بأنفسهم؟ وضل : مطاوع «أضله» وكان القياس : ضل عن السبيل ، إلا أنهم تركوا الجار كما تركوه في هداه الطريق. والأصل : إلى الطريق ، وللطريق. وقولهم : أضلّ البعير ، في معنى : جعله ضالا ، أى : ضائعا ، لما كان أكثر ذلك بتفريط من صاحبه وقلة احتياط في حفظه ، قيل : أضله ، سواء كان منه فعل أو لم يكن (سُبْحانَكَ) تعجب منهم ، قد تعجبوا مما قيل لهم لأنهم ملائكة وأنبياء معصومون ، فما أبعدهم عن الإضلال الذي هو مختص بإبليس وحزبه. أو نطقوا بسبحانك ليدلوا على أنهم المسبحون المتقدّسون الموسومون بذلك ، فكيف يليق بحالهم أن يضلوا عباده. أو قصدوا به تنزيهه عن الأنداد ، وأن يكون له نبىّ أو ملك أو غيرهما ندّا ، ثم قالوا : ما كان يصحّ لنا ولا يستقيم ونحن معصومون أن نتولى أحدا دونك. فكيف يصحّ لنا أن نحمل غيرنا على أن يتولونا دونك. أو ما كان ينبغي لنا أن نكون أمثال الشياطين في توليهم الكفار كما تولاهم الكفار. قال الله تعالى (فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ) يريد الكفرة وقال (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) وقرأ أبو جعفر المدني : نتخذ ، على البناء للمفعول. وهذا الفعل أعنى «اتخذ» يتعدى إلى مفعول واحد ، كقولك : اتخذ وليا ، وإلى مفعولين كقولك اتخذ فلانا وليا. قال الله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) وقال (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو (مِنْ أَوْلِياءَ) والأصل : أن نتخذ أولياء ، فزيدت (مِنْ) لتأكيد معنى النفي ، والثانية من المتعدي إلى مفعولين. فالأول ما بنى له الفعل. والثاني : (مِنْ أَوْلِياءَ). ومن للتبعيض ، أى : لا نتخذ بعض أولياء. وتنكير (أَوْلِياءَ) من حيث أنهم أولياء مخصوصون وهم الجن والأصنام والذكر : ذكر الله والإيمان به. أو القرآن والشرائع. والبور : الهلاك ، يوصف به الواحد والجمع. ويجوز أن يكون جمع بائر ، كعائذ وعوذ.
(فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً)(١٩)