هذه المفاجأة (١) بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونحوها قوله تعالى (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) وقول القائل :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثمّ القفول فقد جئنا خراسانا (٢) |
وقرئ : يقولون ، بالتاء والياء. فمعنى من قرأ بالتاء فقد كذبوكم بقولكم أنهم آلهة. ومعنى من قرأ بالياء : فقد كذبوكم بقولهم (سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) : فإن قلت : هل يختلف حكم الباء مع التاء والياء؟ قلت إي والله ، هي مع التاء كقوله (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) والجار والمجرور بدل من الضمير ، كأنه قيل : فقد كذبوا بما تقولون : وهي مع الياء كقولك : كتبت بالقلم. وقرئ : يستطيعون ، بالتاء والياء أيضا. يعنى. فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل : الصرف : التوبة وقيل : الحيلة ، من قولهم : إنه ليتصرف ، أى. يحتال أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب. أو أن يحتالوا لكم. الخطاب على العموم للمكلفين. والعذاب الكبير لا حق بكل من ظلم ، والكافر ظالم ، لقوله (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) والفاسق ظالم. لقوله (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). وقرئ : يذقه ، بالياء. وفيه ضمير الله. أو ضمير مصدر يظلم.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً)(٢٠)
الجملة بعد «إلا» صفة لموصوف محذوف. والمعنى : وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين. وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور. أعنى من المرسلين ونحوه قوله عز من قائل : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) على معنى : وما منا أحد. وقرئ : ويمشون ، على البناء للمفعول ، أى : تمشيهم حوائجهم أو الناس. ولو قرئ : يمشون ، لكان أوجه لولا الرواية. وقيل : هو احتجاج على من قال (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي
__________________
(١) قوله «هذه المفاجأة» أى : التي في قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ). (ع)
(٢) يقول : قالوا إن هذه البلدة أبعد ما يراد بنا وغاية السفر بنا ، ثم يكون القفول أى الرجوع. ويجوز أنه عطف على خراسان. وقوله «فقد جئنا» مرتب على محذوف ، أى : إن صدقوا في قولهم فقد جئنا خراسان ، فلم لم نتخلص من السفر. ويجوز أنه عدل إلى الخطاب ، أى : فقولوا لهم اقطعوا السفر بنا وارجعوا. فقد جئنا الموعد ، لكن ليس ذلك التفاتا.