عض اليدين والأنامل ، والسقوط في اليد ، وأكل البنان ، وحرق الأسنان والأرم (١) ، وقرعها : كنايات عن الغيظ والحسرة ، لأنها من روادفها ، فيذكر الرادفة ويدل بها على المردوف ، فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ، ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجده عند لفظ المكنى عنه. وقيل : نزلت في عقبة بن أبى معيط بن أمية بن عبد شمس ، وكان يكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ، ففعل وكان أبى بن خلف صديقه فعاتبه وقال : صبأت يا عقبة؟ قال : لا ، ولكن آلى أن لا يأكل من طعامى وهو في بيتي ، فاستحييت منه فشهدت له والشهادة ليست في نفسي ، فقال : وجهى من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه ، فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف ، فقتل يوم بدر : أمر عليا رضى الله عنه بقتله. وقيل : قتله عاصم بن ثابت بن أفلح الأنصارى وقال : يا محمد ، إلى من السبية (٢) قال : إلى النار. وطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيا بأحد ، فرجع إلى مكة فمات (٣). واللام في (الظَّالِمُ) يجوز أن تكون للعهد ، يراد به عقبة خاصة. ويجوز أن تكون للجنس فيتناول عقبة وغيره. تمنى أن لو صحب الرسول وسلك معه طريقا واحدا وهو طريق الحق ولم يتشعب به طرق الضلالة والهوى. أو أراد أنى كنت ضالا لم يكن لي سبيل قط ، فليتني حصلت بنفسي في صحبة الرسول سبيلا. وقرئ : يا ويلتى بالياء ، وهو الأصل ، لأن الرجل ينادى ويلته وهي هلكته ، يقول لها : تعالى فهذا أوانك. وإنما قلبت الياء ألفا كما في : صحارى ، ومدارى. فلان : كناية عن الأعلام ، كما أن الهن كناية عن الأجناس فإن أريد بالظالم عقبة ، فالمعنى : ليتني لم أتخذ أبيا خليلا ، فكنى عن اسمه. وإن أريد به الجنس ،
__________________
(١) قوله «وحرق الأسنان والأرم» في الصحاح : حرقت الشيء حرقا : بروته وحككت بعضه ببعض. ومنه قولهم : حرقت نابه ، أى سحقه حتى سمع له صريف. وفلان يحرق عليك الأرم غيظا. وفيه أيضا : أرم على الشيء أى : عض عليه وأرمه أيضا ، أى : أكله ، والأرم : الأضراس ، كأنه جمع آرم ، يقال : فلان يحرق عليك الأرم ، إذا تغيظ فحك أضراسه بعضها ببعض. (ع)
(٢) قوله «وقال يا محمد إلى من السبية» في الصحاح «السبية» : المرأة تسبى. (ع)
(٣) أخرجه أبو نعيم في الدلائل من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبى صالح عن ابن عباس فذكره مطولا لكن إلى قوله «فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبرا. ولم يقتل من الأسارى يوم بدر غيره. قتله ثابت بن أبى الأفلح» وروى الطبري من طريق مجاهد في قوله تعالى. (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) قال «دعا عقبة بن أبى معيط النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام صنعه إلى قوله فشهدت له ، والشهادة ليست في نفسي» ومن طريق مقسم نحوه ، مختصرا قال فقتل عقبة يوم بدر صبرا» وأما أبى بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بيده يوم أحد في القتال وهما اللذان أنزل الله تعالى فيهما (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ) وذكره الثعلبي ثم الواحدي من غير سند.