فكل من اتخذ من المضلين خليلا كان لخليله اسم علم لا محالة ، فجعله كناية عنه (عَنِ الذِّكْرِ) عن ذكر الله ، أو القرآن ، أو موعظة الرسول. ويجوز أن يريد نطقه بشهادة الحق ، وعزمه على الإسلام. والشيطان : إشارة إلى خليله ، سماه شيطانا لأنه أضله كما يضل الشيطان ، ثم خذله ولم ينفعه في العاقبة. أو أراد إبليس ، وأنه هو الذي حمله على مخالة المضل ومخالفة الرسول ، ثم خذله. أو أراد الجنس ، وكل من تشيطن من الجنّ والإنس. ويحتمل أن يكون (وَكانَ الشَّيْطانُ) حكاية كلام الظالم ، وأن يكون كلام الله. اتخذت : يقرأ على الإدغام والإظهار ، والإدغام أكثر.
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(٣٠)
الرسول : محمد صلى الله عليه وسلم وقومه قريش ، حكى الله عنه شكواه قومه إليه. وفي هذه الحكاية تعظيم للشكاية وتخويف لقومه ؛ لأن الأنبياء كانوا إذا التجئوا إليه وشكوا إليه قومهم : حلّ بهم العذاب ولم ينظروا.
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً)(٣١)
ثم أقبل عليه مسليا ومواسيا وواعدا النصرة عليهم ، فقال (وَكَذلِكَ) كان كل نبىّ قبلك مبتلى بعداوة قومه ، وكفاك بى هاديا إلى طريق قهرهم والانتصار منهم ، وناصرا لك عليهم. مهجورا : تركوه وصدّوا عنه وعن الإيمان به. وعن النبي صلى الله عليه وسلم : من تعلم القرآن وعلمه وعلق مصحفا لم يتعاهده ولم ينظر فيه ، جاء يوم القيامة متعلقا به يقول : يا رب العالمين ، عبدك هذا اتخذني مهجورا ، اقض بيني وبينه (١). وقيل : هو من هجر ، إذا هذى ، أى : جعلوه مهجورا فيه ، فحذف الجار وهو على وجهين ، أحدهما : زعمهم أنه هذيان وباطل وأساطير الأوّلين. والثاني : أنهم كانوا إذا سمعوه هجروا فيه ، كقوله تعالى (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) ويجوز أن يكون المهجور بمعنى الهجر ، كالمجلود والمعقول. والمعنى : اتخذوه هجرا. والعدوّ : يجوز أن يكون واحدا وجمعا. كقوله (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) وقيل المعنى : وقال الرسول يوم القيامة.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ
__________________
(١) أخرجه الثعلبي من طريق أبى هدية عن أنس وأبو هدية كذاب.