قدرة الخالق فيها إظهار لنعمته على خلقه ، لأنّ الاحتجاب بستر الليل ، كم فيه لكثير من الناس من فوائد دينية ودنيوية ، والنوم واليقظة وشبههما بالموت والحياة ، أى عبرة فيها لمن اعتبر.
وعن لقمان أنه قال لابنه : يا بنى ، كما تنام فتوقظ ، كذلك تموت فتنشر.
(وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٤٨)
قرئ : الريح. والرياح نشرا : إحياء. ونشرا : جمع نشور ، وهي المحيية. ونشرا : تخفيف نشر ، وبشرا تخفيف بشر : جمع بشور وبشرى. و (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) استعارة مليحة ، أى : قدام المطر (طَهُوراً) بليغا في طهارته. وعن أحمد بن يحيى هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره ، فإن كان ما قاله شرحا لبلاغته في الطهارة كان سديدا. ويعضده قوله تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وإلا فليس «فعول» من التفعيل في شيء. والطهور على وجهين في العربية : صفة ، واسم غير صفة ، فالصفة قولك : ماء طهور ، كقولك : طاهر ، والاسم قولك لما يتطهر به : طهور ، كالوضوء والوقود ، لما يتوضأ به وتوقد به النار. وقولهم : تطهرت طهورا حسنا ، كقولك : وضوءا حسنا ، ذكره سيبويه. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ، لا صلاة إلا بطهور (١)» أى طهارة. فإن قلت : ما الذي يزيل عن الماء اسم الطهور؟ قلت : تيقن مخالطة النجاسة أو غلبتها على الظنّ ، تغير أحد أوصافه الثلاثة أو لم يتغير. أو استعماله في البدن لأداء عبادة عند أبى حنيفة وعند مالك بن أنس رضى الله عنهما : ما لم يتغير أحد أوصافه فهو طهور. فإن قلت : فما تقول في قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن بئر بضاعة فقال : «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه (٢)»؟ قلت : قال الواقدي : كان بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين.
(لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً)(٤٩)
وإنما قال (مَيْتاً) لأنّ البلدة في معنى البلد في قوله : (فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) ، وأنه غير جار
__________________
(١) أخرجه الترمذي عن ابن عمر رضى الله عنهما «لا تقبل صلاة إلا بطهور» وأصله في مسلم والطبراني من طريق عيسى بن صبرة عن أبيه عن جده «لا صلاة إلا بوضوء» وفي الباب عن جماعة من الصحابة. قلت : استوفيت طرقه في أول شرحي على الترمذي ولم يذكر المخرج منها إلا شيئا يسيرا
(٢) لم أجده هكذا. بل هو ملفق من حديثين فالأول أخرجه أصحاب السنن من حديث رافع بن خديج. قال يا رسول الله. أنتوضأ من بضاعة وهي بئر يلقى فيها الجيف ولحوم الكلاب والنتن فقال : الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه. وقد استوفيت طرقها في تخريج أحاديث الرافعي.