على الفعل كفعول ومفعال ومفعيل. وقرئ : نسقيه بالفتح. وسقى ، وأسقى : لغتان. وقيل: أسقاه : جعل له سقيا. الأناسى : جمع إنسى أو إنسان. ونحوه ظرابى في ظربان ، على قلب النون ياء ، والأصل : أناسين وظرابين. وقرئ بالتخفيف بحذف ياء أفاعيل ، كقولك : أناعم ، في : أناعيم. فإن قلت : إنزال الماء موصوفا بالطهارة وتعليله بالإحياء والسقي يؤذن بأن الطهارة شرط في صحة ذلك ، كما تقول : حملني الأمير على فرس جواد لأصيد عليه الوحش. قلت : لما كان سقى الأناسى من جملة ما أنزل له الماء ، وصفه بالطهور إكراما لهم ، وتتميما للمنة عليهم ، وبيانا أن من حقهم حين أراد الله لهم الطهارة وأرادهم عليها أن يؤثروها في بواطنهم ثم في ظواهرهم ، وأن يربئوا بأنفسهم عن مخالطة القاذورات كلها كما ربأ بهم ربهم. فإن قلت : لم خص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب؟ قلت : لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب ، بخلاف الأنعام : ولأنها قنية الأناسى ، وعامة منافعهم متعلقة بها ، فكان الإنعام عليهم بسقى أنعامهم كالإنعام بسقيهم. فإن قلت : فما معنى تنكير الأنعام والأناسى ووصفها بالكثرة؟ قلت : معنى ذلك أن عليه الناس وجلهم منيخون بالقرب من الأودية والأنهار ومنابع الماء ، فبهم غنية عن سقى السماء ، وأعقابهم ـ وهم كثير منهم ـ لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا سمائه ، وكذلك قوله (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) يريد بعض بلاد هؤلاء المتبعدين من مظان الماء. فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقى الأنعام على سقى الأناسى؟ قلت : لأنّ حياة الأناسىّ بحياة أرضهم وحياة أنعامهم ، فقدم ما هو سبب حياتهم وتعيشهم على سقيهم ، ولأنهم إذا ظفروا بما يكون سقيا أرضهم ومواشيهم ، لم يعدموا سقياهم.
(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً)(٥٠)
يريد : ولقد صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل عليهم السلام ـ وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال القطر ـ ليفكروا ويعتبروا ، ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا (فَأَبى) أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الاكتراث لها. وقيل : صرفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة ، وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل ، وجود ورذاذ ، وديمة ورهام (١) ؛ فأبوا إلا الكفور وأن يقولوا : مطرنا بنوء كذا ، ولا يذكروا صنع الله ورحمته. وعن ابن عباس رضى الله عنهما : ما من عام أقل مطرا من عام ، ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما شاء ، وتلا هذه الآية(٢). وروى
__________________
(١) قوله «ورذاذ وديمة ورهام» الرذاذ : مطر ضعيف. والرهام. جمع رهمة وهي المطرة الضعيفة الدائمة ، كذا في الصحاح. (ع)
(٢) أخرجه الحاكم والطبري من رواية الحسن بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال : «ما من عام ـ