أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام ، لأنه لا يختلف ولكن تختلف فيه البلاد. وينتزع من هاهنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسى ، كأنه قال : لنحيي به بعض البلاد الميتة ، ونسقيه بعض الأنعام والأناسى ، وذلك البعض كثير. فإن قلت : هل يكفر من ينسب الأمطار إلى الأنواء؟ قلت : إن كان لا يراها إلا من الأنواء ويجحد أن تكون هي والأنواء من خلق الله : فهو كافر. وإن كان يرى أن الله خالقها وقد نصب الأنواء دلائل وأمارات عليها : لم يكفر.
(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً)(٥٢)
يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم (وَلَوْ شِئْنا) لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى. و (لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) نبيا ينذرها. وإنما قصرنا الأمر عليك وعظمناك به ، وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل ، فقابل ذلك بالتشدد والتصبر (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) فيما يريدونك عليه ، وإنما أراد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم. والضمير للقرآن أو لترك الطاعة الذي يدل عليه : (فَلا تُطِعِ) والمراد : أن الكفار يجدون ويجتهدون في توهين أمرك ، فقابلهم من جدك واجتهادك وعضك على نواجذك بما تغلبهم به وتعلوهم ، وجعله جهادا كبيرا لما يحتمل فيه من المشاق العظام. ويجوز أن يرجع الضمير في (بِهِ) إلى ما دل عليه : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) من كونه نذير كافة القرى ، لأنه لو بعث في كل قرية نذيرا لو جبت على كل نذير مجاهدة قريته ، فاجتمعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المجاهدات كلها ، فكبر جهاده من أجل ذلك وعظم ، فقال له (وَجاهِدْهُمْ) بسبب كونك نذير كافة القرى (جِهاداً كَبِيراً) جامعا لكل مجاهدة.
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً)(٥٣)
سمى الماءين الكثيرين الواسعين : بحرين ، والفرات : البليغ العذوبة حتى يضرب إلى الحلاوة.
__________________
ـ أمطر من عام. ولكن الله يصرفه ... الخ» وفي الباب عن ابن مسعود أخرجه العقيلي من رواية على بن حميد عن شعبة ، أخرجه العقيلي من رواية على بن حميد عن شعبة عن أبى إسحاق عن أبى الأحوص عنه وقال : لا يتابع على رفعه. ثم أخرجه موقوفا من رواية عمر بن مرزوق عن شعبة وقال : هذا أولى ، وأورده ابن مردويه من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا.