لا يطيقون معها القيام على أرجلهم ، فيحبون على ركبهم حبوا. وإن فسر بالعموم ، فالمعنى أنهم يتجاثون عند موافاة شاطئ جهنم ، على أن جثيا حال مقدرة كما كانوا في الموقف متجاثين ، لأنه من توابع التواقف للحساب قبل التوصل إلى الثواب والعقاب. والمراد بالشيعة ـ وهي «فعلة» كفرقة وفتية ـ الطائفة التي شاعت (١) ، أى تبعت غاويا من الغواة. قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) يريد : نمتاز من كل طائفة من طوائف الغىّ والفساد أعصاهم فأعصاهم ، وأعتاهم فأعتاهم. فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب. نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم. أو أراد بالذين هم أولى به صليا : المنتزعين كما هم ، كأنه قال : ثم لنحن أعلم بتصلية هؤلاء ، وهم أولى بالصلى من بين سائر الصالين ، ودركاتهم أسفل ، وعذابهم أشدّ. ويجوز أن يريد بأشدّهم عتيا : رؤساء الشيع وأئمتهم ، لتضاعف جرمهم بكونهم ضلالا ومضلين. قال الله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) ، (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) واختلف في إعراب (أَيُّهُمْ أَشَدُّ) فعن الخليل أنه مرتفع على الحكاية. تقديره : لتنزعنّ الذين يقال فيهم أيهم أشد ، وسيبويه على أنه مبنى على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلته ، حتى لو جيء به لأعرب. وقيل : أيهم هو أشد. ويجوز أن يكون النزع واقعا على (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) ، كقوله سبحانه (وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) أى لننزعن بعض كل شيعة ، فكأنّ قائلا قال : من هم؟ فقيل : أيهم أشد عتيا. وأيهم أشد : بالنصب عن طلحة ابن مصرف وعن معاذ بن مسلم الهراء أستاذ الفراء. فإن قلت : بم يتعلق على والباء ، فإنّ تعلقهما بالمصدرين لا سبيل إليه؟ قلت : هما للبيان لا الصلة. أو يتعلقان بأفعل ، أى : عتوّهم أشد على الرحمن ، وصليهم أولى بالنار ، كقولهم : هو أشد على خصمه ، وهو أولى بكذا.
(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا)(٧٢)
(وَإِنْ مِنْكُمْ) التفات إلى الإنسان ، يعضده قراءة ابن عباس وعكرمة رضى الله عنهما : وإن منهم. أو خطاب للناس (٢) من غير التفات إلى المذكور ، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود دخولهم فيها وهي جامدة ، فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم. عن ابن عباس رضى الله
__________________
(١) قوله «شاعت» في الصحاح : شاعه شياعا : تبعه. (ع)
(٢) قال محمود : «يحتمل أن يكون استئنافا خطابا للناس ، ويحتمل أن يكون التفاتا» قال أحمد : احتمال الالتفات مفرع على إرادة العموم من الأول ، فيكون المخاطبون أولا هم المخاطبين ثانيا ، إلا أن الخطاب الأول بلفظ الغيبة ، والثاني بلفظ الحضور. وأما إذا بنينا على أن الأول إنما أريد منه خصوص على التقديرين جميعا ، فالثاني ليس التفاتا ، وإنما هو عدول إلى خطاب العامة عن خطاب خاص لقوم معينين ، والله أعلم.