وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ)(٤٣)
(نَكِّرُوا) اجعلوه متنكرا متغيرا عن هيئته وشكله ، كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه. قالوا : وسعوه وجعلوا مقدّمه مؤخره ، وأعلاه أسفله. وقرئ : ننظر ، بالجزم على الجواب ، وبالرفع على الاستئناف (أَتَهْتَدِي) لمعرفته ، أو للجواب الصواب إذا سئلت عنه ، أو للدين والايمان بنبوّة سليمان عليه السلام إذا رأت تلك المعجزة البينة ، من تقدّم عرشها وقد خلفته وأغلقت عليه الأبواب ونصبت عليه الحرس. هكذا ثلاث كلمات : حرف التنبيه ، وكاف التشبيه ، واسم الإشارة. لم يقل : أهذا عرشك ، ولكن : أمثل هذا عرشك ، لئلا يكون تلقينا (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ولم تقل : هو هو ، ولا ليس به ، وذلك من رجاحة عقلها ، حيث لم تقع في المحتمل (١) (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) من كلام سليمان وملئه : فإن قلت : علام عطف هذا الكلام ، وبم اتصل؟ قلت : لما كان المقام ـ الذي سئلت فيه عن عرشها وأجابت بما أجابت به ـ مقاما أجرى فيه سليمان وملؤه ما يناسب قولهم (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ) نحو أن يقولوا عند قولها كأنه هو : قد أصابت في جوابها وطبقت المفصل (٢) ، وهي عاقلة لبيبة ، وقد رزقت الإسلام ، وعلمت قدرة الله وصحة النبوّة بالآيات التي تقدّمت عند وفدة المنذر ، وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها ـ عطفوا على ذلك قولهم : وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته ، وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها ، ولم نزل على دين الإسلام شكرا لله على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله والإسلام قبلها (وَصَدَّها) عن التقدم إلى الإسلام عبادة الشمس ونشؤها بين ظهر انى الكفرة ، ويجوز أن يكون من كلام بلقيس موصولا بقولها (كَأَنَّهُ هُوَ) والمعنى : وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة نبوّة سليمان
__________________
(١) قال محمود : «لم يقل أهذا عرشك ، لئلا يكون تلقينا ، قالت. كأنه هو ولم تقل هو هو ، ولا ليس بهو وذلك من رجاحة عقلها حيث لم تقع في المحتمل ، قال أحمد : وفي قولها (كَأَنَّهُ هُوَ) وعدولها عن مطابقة الجواب للسؤال ، بأن تقول : هكذا هو ، نكتة حسنة. ولعل قائلا يقول : كلا العبارتين تشبيه ، إذ كاف التشبيه فيهما جميعا ، وإن كانت في إحداهما داخلة على اسم الاشارة ، وفي الأخرى داخلة على المضمر ، وكلاهما ـ أعنى اسم الاشارة والمضمر ـ واقع على الذات المشبهة ، وحينئذ تستوي العبارتان في المعنى ، ويفضل قولها هكذا هو بمطابقته للسؤال ، فلا بد في اختيار (كَأَنَّهُ هُوَ) من حكمة فنقول : حكمته والله أعلم : أن (كَأَنَّهُ هُوَ) عبارة من قرب عنده الشبه حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين ، فكاد يقول : هو هو ، وتلك حال بلقيس. وأما هكذا هو ، فعبارة جازم بتغاير الأمرين ، حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير ، فلهذا عدلت إلى العبارة المذكورة في التلاوة لمطابقتها لحالها والله أعلم. وقول الزمخشري : ولا ليس بهو ، إن كان من قوله فوهم ، والصواب : ولا ليس به ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢) قوله «وطبقت المفصل» لعله : وطابقت. (ع)