(أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)(٦٠)
فإن قلت : ما الفرق بين أم وأم في (أَمَّا يُشْرِكُونَ) و (أَمَّنْ خَلَقَ)؟ قلت : تلك متصلة ، لأنّ المعنى : أيهما خير. وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة ، لما قال الله تعالى : آلله خير أم الآلهة؟ قال : بل أمّن خلق السماوات والأرض خير؟ تقريرا لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء. وقرأ الأعمش : أمن ، بالتخفيف. ووجهه أن يجعل بدلا من الله ، كأنه قال : أمّن خلق السماوات والأرض خير أم ما تشركون؟ فإن قلت : أى نكتة في نقل الإخبار عن الغيبة إلى التكلم عن ذاته في قوله فأنبتنا؟ قلت : تأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته ، والإيذان بأنّ إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والروائح والأشكال مع حسنها وبهجتها بماء واحد. لا يقدر عليه إلا هو وحده. ألا ترى كيف رشح معنى الاختصاص بقوله (ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) ومعنى الكينونة : الانبغاء. أراد أن تأتى ذلك محال من غيره ، وكذلك قوله (بَلْ هُمْ) بعد الخطاب : أبلغ في تخطئة رأيهم. والحديقة : البستان عليه حائط : من الإحداق وهو الإحاطة. وقيل (ذاتَ) ، لأنّ المعنى : جماعة حدائق ذات بهجة ، كما يقال : النساء ذهبت. والبهجة : الحسن ، لأنّ الناظر يبتهج به (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) أغيره يقرن به ويجعل شريكا له. وقرئ : أإلها مع الله ، بمعنى : أتدعون ، أو أتشركون. ولك أن تحقق الهمزتين وتوسط بينهما مدّة ، وتخرج الثانية بين بين (يَعْدِلُونَ) به غيره أو يعدلون عن الحق الذي هو التوحيد.
(أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٦١)
(أَمَّنْ جَعَلَ) وما بعده بدل من (أَمَّنْ خَلَقَ) فكان حكمهما حكم (قَراراً) دحاها وسوّاها بالاستقرار عليها (حاجِزاً) كقوله : برزخا.
(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(٦٢)
الضرورة : الحالة المحوجة إلى اللجإ. والاضطرار : افتعال منها. يقال : اضطرّه إلى كذا.