(وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٦٠)
وأى شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياما قلائل ، وهي مدة الحياة المتقضية (وَما عِنْدَ اللهِ) وهو ثوابه (خَيْرٌ) في نفسه من ذلك (وَأَبْقى) لأنّ بقاءه دائم سرمد وقرئ : يعقلون ، بالياء ، وهو أبلغ في الموعظة. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن الله خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف : المؤمن ، والمنافق ، والكافر : فالمؤمن يتزوّد ، والمنافق يتزين ، والكافر يتمتع.
(أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ)(٦١)
هذه الآية تقرير وإيضاح للتي قبلها. والوعد الحسن : الثواب ، لأنه منافع دائمة على وجه التعظيم والاستحقاق ، وأى شيء أحسن منها ، ولذلك سمى الله الجنة بالحسنى. و (لاقِيهِ) كقوله تعالى. ولقاهم نضرة وسرورا ، وعكسه (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا). (مِنَ الْمُحْضَرِينَ) من الذين أحضروا النار. ونحوه (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) ، (فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) قيل : نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى جهل. وقيل : في على وحمزة وأبى جهل. وقيل : في عمار ابن ياسر والوليد بن المغيرة. فإن قلت : فسر لي الفاءين وثم ، وأخبرنى عن مواقعها. قلت : قد ذكر في الآية التي قبلها متاع الحياة الدنيا وما عند الله وتفاوتهما ، ثم عقبه بقوله (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ) على معنى : أبعد هذا التفاوت الظاهر يسوّى بين أبناء الآخرة وأبناء الدنيا ، فهذا معنى الفاء الأولى وبيان موقعها. وأمّا الثانية فللتسبيب ؛ لأن لقاء الموعود مسبب عن الوعد الذي هو الضمان في الخير. وأمّا «ثم» فلتراخى حال الإحضار عن حال التمتيع ، لا لتراخى وقته عن وقته. وقرئ (ثُمَّ هُوَ) بسكون الهاء ، كما قيل عضد في عضد ، تشبيها للمنفصل بالمتصل ، وسكون الهاء في : فهو ، وهو ، ولهو : أحسن ؛ لأنّ الحرف الواحد لا ينطق به وحده فهو كالمتصل.
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(٦٢)
(شُرَكائِيَ) مبنى على زعمهم ، وفيه تهكم. فإن قلت : زعم يطلب مفعولين ، كقوله :
... ولم أزعمك عن ذاك معزلا (١)
__________________
(١) وإن الذي قد عاش يا أم مالك |
|
يموت ولم أزعمك عن ذاك معزلا |
يقول. وإن كل حى ـ وإن طال عمره ـ يموت. ولم أظنك يا أم مالك معزلا عن ذلك الحكم أو الموت ، والمعزل :