نافق كما نافق السامري وقال : إذا كانت النبوّة لموسى عليه السلام ، والمذبح والقربان إلى هرون فما لي؟ وروى : أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة والحبورة لهارون يقرّب القربان ويكون رأسا فيهم ـ وكان القربان إلى موسى فجعله موسى إلى أخيه ـ وجد قارون في نفسه وحسدهما ، فقال لموسى : الأمر لكما ولست على شيء ، إلى متى أصبر؟ قال موسى : هذا صنع الله قال : والله لا أصدق حتى تأتى بآية ، فأمر رؤساء بنى إسرائيل أن يجيء كل واحد بعصاه ، فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحى ينزل عليه فيها ، وكانوا يحرسون عصيهم بالليل ، فأصبحوا وإذا بعصا هرون تهتز ولها ورق أخضر ، وكانت من شجر اللوز ، فقال قارون : ما هو بأعجب مما تصنع من السحر (فَبَغى عَلَيْهِمْ) من البغي وهو الظلم. قيل : ملكه فرعون على بنى إسرائيل فظلمهم. وقيل : من البغي وهو الكبر والبذخ : تبذخ عليهم بكثرة ماله وولده. قيل : زاد عليهم في الثياب شبرا. المفاتح : جمع مفتح بالكسر : وهو ما يفتح به. وقيل هي الخزائن ، وقياس واحدها : مفتح ـ بالفتح. ويقال : ناء به الحمل ، إذا أثقله حتى أماله. والعصبة : الجماعة الكثيرة والعصابة : مثلها. واعصوصبوا : اجتمعوا. وقيل : كانت تحمل مفاتيح خزائنه ستون بغلا ، لكل خزانة مفتاح ، ولا يزيد المفتاح على أصبع. وكانت من جلود. قال أبو رزين : يكفى الكوفة مفتاح ، وقد بولغ في ذكر ذلك بلفظ : الكنوز ، والمفاتح ، والنوء ، والعصبة ، وأولى القوة. وقرأ بديل بن ميسرة : لينوء بالياء. ووجهه أن يفسر المفاتح بالخزائن ، ويعطيها حكم ما أضيفت إليه للملابسة والاتصال ، كقولك ذهبت أهل اليمامة. ومحل إذ منصوب بتنوء (لا تَفْرَحْ) كقوله (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) وقول القائل :
ولست بمفراح إذا الدّهر سرّنى (١)
وذلك أنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضى بها واطمأن. وأمّا من قلبه إلى الآخرة ويعلم أنه مفارق ما فيه عن قريب ، لم تحدّثه نفسه بالفرح. وما أحسن ما قال القائل :
أشد الغمّ عندي في سرور |
|
تيقّن عنه صاحبه انتقالا (٢) |
__________________
(١) ولست بمفراح إذا الدهر سرني |
|
ولا جازع من صرفه المتقلب |
ولا أبتغى شرا إذا الشر تاركي |
|
ولكن متى أحمل على الشر أركب |
لهدبة بن خشرم لما قاده معاوية إلى الحرة ليقتص منه في زياد بن زيد العذرى ، فلقيه عبد الرحمن بن حسان فاستنشده فأنشده ذلك. والمفراح : كثير الفرح. والمراد : نفى الفرح من أصله. وصرف الدهر : حدثانه. وإذا : شرطية فلا بد بعدها من فعل ، أى : إذا كان الشر تاركي. وأحمل مبنى للمجهول ، وأركب للفاعل. والمعنى : أنى جربت الدهر فإذا هو خئون ، ومع ذلك لا أتضعضع.
(٢) لأبى الطيب ، أى : أشد الغم عندي وقت السرور الذي تيقن صاحبه الانتقال عنه ، وهكذا سرور الدنيا كله.