(وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً)(٩٢)
انبغى : مطاوع «بغى» إذا طلب ، أى : ما يتأتى له اتخاذ الولد وما ينطلب لو طلب مثلا ، لأنه محال غير داخل تحت الصحة. أما الولادة المعروفة فلا مقال في استحالتها. وأما التبني فلا يكون إلا فيما هو من جنس المتبنى ، وليس للقديم سبحانه جنس ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً)(٩٥)
(مَنْ) موصوفة لأنها وقعت بعد كل نكرة ، وقوعها بعد رب في قوله :
ربّ من أنضجت غيظا صدره (١)
وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة (آتِي الرَّحْمنِ) على أصله قبل الإضافة. الإحصاء الحصر والضبط يعنى : حصرهم بعلمه وأحاط بهم (وَعَدَّهُمْ عَدًّا) الذين اعتقدوا في الملائكة وعيسى وعزير
__________________
ـ ولنا الثناء الجميل من شجاعتنا وحسن خصالنا. و «إن» بمعنى «إذا» لأن الموت لا شك فيه. ويروى «أن يسب» بباء ، ولعل معناه : لا مسبة له غير موتنا في القتال ، يعنى : إن كان ذلك مسبة وليس كذلك ، ويمكن أن تعبيره بالكفاية ليفيد أنه مستغن عن المدح من جهة أبنائه عند التفاخر. وعند عد مآثر الآباء لا نحتاج لغيره ، فننتسب له لنشرف بشرفه.
(١) رب من أنضجت غيظا قلبه |
|
قد تمنى لي موتا لم يطع |
ويرانى كالشجا في حلقه |
|
عسرا مخرجه ما ينتزع |
لم يضرني غير أن يحسدني |
|
فهو يزقو مثل ما يزقو الضوع |
ويحيينى إذا لاقيته |
|
وإذا يخلو له لحمى رتع |
لسويد بن أبى كاهل اليشكري ، ويتعين أن «من» نكرة موصوفة ، لأن رب لا تجر إلا النكرة ، ونضج اللحم والعنب ونحوهما نضجا فهو نضيج وناضج : أدرك وبلغ أوانه واستوى ، أى : رب شخص طبخت قلبه من حر غيظه منى ولم يطع ، أى لا يستطاع تحمل سببه. والشجا : ما نشب في الحلق من عظم ونحوه. وعسرا الخ : حال منه. ومخرجه أى خروجه مرفوع بالوصف ، لم يضرني شيئا من الضرر غير الحسد ، من ضاره يضيره ضيرا إذا ضره ، فهو يزقو أى يصيح مثل صياح الضوع : وهو ذكر اليوم ، وكثر تشبيه العرض المطعون فيه باللحم المأكول على طريق التصريحية ، ثم شبهه الشاعر بالمرعى المخصب ترتع فيه البهائم. أو شبه المغتاب بهيمة في المرعي على طريق المكنية والرتع تخبيل. ويحتمل استعارته للأكل الملائم للحم ، ثم للطعن الملائم للعرض على طريق التصريح ، أى : إذا يخلو له عرضي اغتاب كما يريد.