وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. وعند الشافعي رحمه الله : لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين : قاس سائر القرابات على ابن العم ، لأنه لا ولاد بينهم. فإن قلت : كيف تعلق قوله (فَآتِ ذَا الْقُرْبى) بما قبله حتى جيء بالفاء؟ قلت : لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم ، أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك (يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) يحتمل أن يراد بوجهه ذاته أو جهته وجانبه ، أى : يقصدون بمعروفهم إياه خالصا وحقه ، كقوله تعالى (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) أو يقصدون جهة التقرّب إلى الله لا جهة أخرى ، والمعنيان متقاربان ، ولكن الطريقة مختلفة.
(وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(٣٩)
هذه الآية في معنى قوله تعالى (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) سواء بسواء ، يريد : وما أعطيتم أكلة الربا (مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي) أموالهم : ليزيد ويزكو في أموالهم ، فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) أى صدقة تبتغون به وجهه خالصا ، لا تطلبون به مكافأة ولا رياء وسمعة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) ذوو الإضعاف من الحسنات. ونظير المضعف : المقوي والموسر ، لذي القوّة واليسار : وقرئ بفتح العين. وقيل : نزلت في ثقيف ، وكانوا يربون. وقيل : المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدى له ، ليعوّضه أكثر مما وهب أو أهدى ، فليست تلك الزيادة بحرام ، ولكن المعوّض لا يثاب على تلك الزيادة. وقالوا : الربا ربوان : فالحرام : كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه : أو يجرّ منفعة. والذي ليس بحرام : أن يستدعى بهبته أو بهديته أكثر منها. وفي الحديث «المستغزر يثاب من هبته» (١) وقرئ : وما أتيتم من ربا ، بمعنى : وما غشيتموه أو رهقتموه من إعطاء ربا. وقرئ : لتربوا ، أى : لتزيدوا في أموالهم ، كقوله تعالى (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) أى يزيدها. وقوله تعالى (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) التفات حسن ، كأنه قال لملائكته وخواص خلقه : فأولئك الذين يريدون وجه الله بصدقاتهم : هم المضعفون. فهو أمدح لهم من أن يقول : فأنتم المضعفون. والمعنى : المضعفون به ، لأنه لا بد من ضمير يرجع إلى ما ، ووجه آخر : وهو أن يكون تقديره : فمؤتوه أولئك هم المضعفون. والحذف لما في الكلام من الدليل عليه ، وهذا أسهل مأخذا ، والأوّل أملأ بالفائدة.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ
__________________
(١) أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الرزاق من وجهين عن ابن سيرين عن شريح بهذا موقوفا.