بهما حتى أسلما (لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لأنّ التسوية بين من لا نعمة إلا هي منه ، ومن لا نعمة منه البتة ولا يتصوّر أن تكون منه ـ : ظلم لا يكتنه عظمه.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٥)
أى (حَمَلَتْهُ) تهن (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) كقولك رجع عودا على بدء ، بمعنى ، يعود عودا على بدء ، وهو في موضع الحال. والمعنى : أنها تضعف ضعفا فوق ضعف ، أى : يتزايد ضعفها ويتضاعف ، لأنّ الحمل كلما ازداد وعظم ، ازدادت ثقلا وضعفا. وقرئ : وهنا على وهن ، بالتحريك عن أبى عمرو. يقال : وهن يوهن. ووهن يهن. وقرئ : وفصله (أَنِ اشْكُرْ) تفسير لوصينا (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أراد بنفي العلم به نفيه ، أى : لا تشرك بى ما ليس بشيء (١) ، يريد الأصنام ، كقوله تعالى (ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ). (مَعْرُوفاً) صحابا ، أو مصاحبا معروفا حسنا بخلق جميل وحلم واحتمال وبر وصلة ، وما يقتضيه الكرم والمروءة (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) يريد : واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه ـ وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا ـ ثم إلىّ مرجعك ومرجعهما ، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما ، علم بذلك حكم الدنيا وما يجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما : من مراعاة حق الأبوة وتعظيمه ، وما لهما من المواجب التي لا يسوغ الإخلال بها ، ثم بين حكمهما وحالهما في الآخرة. وروى : أنها نزلت في سعد بن أبى وقاص وأمّه. وفي القصة : أنها مكثت ثلاثا لا تطعم ولا تشرب حتى شجروا فاها (٢) بعود. وروى أنه قال : لو كانت لها سبعون نفسا فخرجت ، لما ارتددت إلى الكفر. فإن قلت : هذا الكلام كيف وقع في أثناء وصية لقمان؟ قلت : هو كلام اعترض به على سبيل الاستطراد ، تأكيدا لما في وصية لقمان من النهى عن الشرك. فإن قلت : فقوله (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) كيف اعترض به بين المفسر والمفسر؟ قلت : لما
__________________
(١) قال محمود : «معناه : ما ليس بشيء ، وعبر بنفي العلم عن نفى المعلوم» قال أحمد : هو من باب قوله : على لا حب لا يهتدى بمناره أى : ما ليس باله فيكون لك علم بالالهية ، وليس كما ذكره في قول فرعون (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) وقد مر معناه فيما تقدم.
(٢) قوله «حتى شجروا فاها بعود» في الصحاح : شجرة بالرمح ، أى : طعنه. (ع)