قرئ : والبحر ، بالنصب عطفا على اسم إنّ ، وبالرفع عطفا على محل إن ، ومعمولها على. ولو ثبت (١) كون الأشجار أقلاما ، وثبت البحر ممدودا بسبعة أبحر. أو على الابتداء والواو للحال ، على معنى. ولو أنّ الأشجار أقلام في حال كون البحر ممدودا ، وفي قراءة ابن مسعود : وبحر يمدّه على التنكير ، ويجب أن يحمل هذا على الوجه الأوّل. وقرئ : يمدّه ، ويمدّه. وبالتاء والياء. فإن قلت : كان مقتضى الكلام أن يقال : ولو أنّ الشجر أقلام ، والبحر مداد. قلت : أغنى عن ذكر المداد قوله : يمدّه ، لأنه من قولك : مدّ الدواة وأمدّها ، جعل البحر الأعظم بمنزلة الدواة ، وجعل الأبحر السبعة مملوءة مدادا ، فهي تصب فيه مدادها أبدا صبا لا ينقطع. والمعنى : ولو أنّ أشجار الأرض أقلام ، والبحر ممدود بسبعة أبحر. وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله ، لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد ، كقوله تعالى (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي). فإن قلت : زعمت أنّ قوله (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) حال في أحد وجهى الرفع ، وليس فيه ضمير راجع إلى ذى الحال. قلت : هو كقوله :
وقد اغتدى والطّير في وكناتها (٢)
و : جئت والجيش مصطف ، وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف. ويجوز أن يكون المعنى : وبحرها ، والضمير للأرض. فإن قلت : لم قيل (مِنْ شَجَرَةٍ) على التوحيد دون اسم الجنس الذي هو شجر؟ قلت : أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة ، حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلا قد بريت أقلاما. فإن قلت : الكلمات جمع قلة ، والموضع موضع التكثير لا التقليل. فهلا قيل : كلم الله؟ قلت : معناه أنّ كلماته لا تفي بكتبتها البحار ، فكيف بكلمة؟ وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أنها نزلت جوابا لليهود لما قالوا «قد أوتينا التوراة وفيها كل الحكمة» وقيل : إن المشركين قالوا : إنّ هذا يعنون الوحى ـ كلام سينفد ، فأعلم الله أن كلامه لا ينفد. وهذه الآية عند بعضهم مدنية ، وأنها نزلت بعد الهجرة ، وقيل هي مكية ، وإنما أمر اليهود وقد قريش أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألست تتلو فيما أنزل عليك : أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شيء (حَكِيمٌ) لا يخرج من علمه وحكمته شيء ، ومثله لا تنفد كلماته وحكمه.
__________________
(١) قوله «ومعمولها على : ولو ثبت» لعله : على معنى ولو ... الخ. (ع)
(٢) وقد اغتدى والطير في وكناتها |
|
بمنجرد قيد الأوابد هيكل |
لامرئ القيس من معلقته. وقد : للتكثير. والوكنات : جمع وكنة بضمتين ، وبتثليث أوله وسكون ثانيه : موضع الطير الذي يبيت فيه ، والباء للملابسة ، والمجرد : دقيق الشعر قصيره. أو سريع الجري. وشبه الفرس بالقيد تشبيها بليغا : أى : لا تنفك منه الأوابد : وهي الوحوش ، ولا تفوته هيكل : عظيم الجسم.