بله (١) ما أطلعتهم عليه ، اقرؤا إن شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين» وعن الحسن رضى الله عنه : أخفى القوم أعمالا في الدنيا ، فأخفى الله لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت
(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٢١)
(كانَ مُؤْمِناً) و (كانَ فاسِقاً) محمولان على لفظ من ، و (لا يَسْتَوُونَ) محمول على المعنى ، بدليل قوله تعالى (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ... وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا) ونحوه قوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ). و (جَنَّاتُ الْمَأْوى) نوع من الجنان : قال الله تعالى (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) سميت بذلك لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه قال : تأوى إليها أرواح الشهداء. وقيل : هي عن يمين العرش. وقرئ : جنة المأوى ، على التوحيد (نُزُلاً) عطاء بأعمالهم. والنزل : عطاء النازل ، ثم صار عاما (فَمَأْواهُمُ النَّارُ) أى ملجؤهم ومنزلهم. ويجوز أن يراد : فجنة مأواهم النار ، أى النار لهم ، مكان جنة المأوى للمؤمنين : كقوله (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، (الْعَذابِ الْأَدْنى) عذاب الدنيا من القتل والأسر ، وما محنوا به من السنة (٢) سبع سنين. وعن مجاهد رضى الله عنه : عذاب القبر. و (الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) عذاب الآخرة ، أى : نذيقهم عذاب الدنيا قبل أن يصلوا إلى الآخرة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أى يتوبون (٣) عن الكفر ، أو لعلهم يريدون الرجوع ويطلبونه ، كقوله تعالى
__________________
(١) قوله «بله ما أطلعتهم عليه» في الصحاح «بله» : كلمة مبنية على الفتح مثل كيف ، ومعناها : دع ، كما أجازه ، الأخفش في قول كعب بن مالك :
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها |
|
بله الأكف كأنها لم تخلق |
ويقال : معناها سوى. وفي الحديث : «أعددت لعبادي ... الخ». (ع)
(٢) قوله «وما محنوا به من السنة» أى المجدية. أو المراد بها الجدب ، كما يؤخذ من الصحاح. (ع)
(٣) قال محمود : «معناه لعلهم يتوبون. فان قلت : من أبن صح تفسير الرجوع بالتوبة ولعل من الله إرادة ، وإذا أراد الله شيئا كان ، وتوبتهم مما لا يكون ، لأنهم لو تابوا لم يكونوا ذائقين العذاب الأكبر. قلت : إرادة الله تعالى تتعلق بأفعاله وأفعال عباده فإذا أراد شيئا من أفعاله كان ولم يمتنع ، للاقتدار وخلوص الداعي. وأما أفعال عباده فاما أن يريدها وهم مختارون لها ، أو مضطرون إليها بقسره ، فان أرادها وقد قسرهم عليها فحكمها حكم ـ