(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(١٤)
قرأ أبو عمرو وابن كثير (إِنِّي) بالفتح ، أى : نودي بأنى (أَنَا رَبُّكَ) وكسر الباقون ، أى : نودي فقيل يا موسى. أو لأنّ النداء ضرب من القول فعومل معاملته. تكرير الضمير في (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. روى أنه لما نودي (يا مُوسى) قال : من المتكلم؟ فقال له الله عز وجل : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ، وأن إبليس وسوس إليه فقال : لعلك تسمع كلام شيطان. فقال : أنا عرفت أنه كلام الله بأنى أسمعه من جميع جهاتى الست ، وأسمعه بجميع أعضائى. وروى أنه حين انتهى رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها كأنها نار بيضاء تتقد (١) ، وسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نورا عظيما فخاف وبهت ، فألقيت عليه السكينة ثم نودي ، وكانت الشجرة عوسجة. وروى : كلما دنا أو بعد لم يختلف ما كان يسمع من الصوت. وعن ابن إسحاق : لما دنا استأخرت عنه ، فلما رأى ذلك رجع وأوجس في نفسه خيفة ، فلما أراد الرجعة دنت منه ، ثم كلم. قيل : أمر بخلع النعلين لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير
__________________
ـ عكاظ ، كان فقيرا وله عشر بنات لا يرغب فيهن أحد لفقرهن ، فانعزل بهن إلى بعض المهامة فنزل به الأعشى فنحر له ناقته ولم يكن عنده غيرها وأحسن قراه. فعظم عند الأعشى ، فلما أصبح واستوى على راحلته قال له : ألك حاجة؟ قال : نعم ، أن تسير بذكرى في بنى عكاظ ، لعل أحدا يرغب في بناتي فقد مسهن العنس. فمدحه في عكاظ فلم يلبث حتى خطبت بناته. ولاحت : لمحت وتشوفت ، واليفاع : المشرف من الأرض. يخرق : أى يخترق ذلك الضوء وينتشر في الأرض. ويروى : تحرق ، بالحاء المهملة ، والضمير للنار. وتشب. منى للمجهول ، يقال : شبيت النار أشبها شبا وشبوبا : أو قدتها. والمقروران : اللذان أصابهما القر أي البرد ، وأراد بهما الندى والمحلق ، يعنى أنه هو وكرمه ملازمان لنار القرى ملازمة المقرور لنار التدفؤ ، وبين ذلك بقوله : وبات على النار الندى والمحلق. ويجوز أن الأعشى أراد نفسه والمحلق ، لكل الأول أوقع في المدح. ومعنى كونهما عليها : أنهما على جانبيها ولأن المتدفئ يكون أعلى منها بحيث يمد يده فوقها. وعطف المحلق على الندى دلالة على أنهما متلازمان متقارنان ، وبين ذلك بقوله : رضيعي لبان ، وهو حال منهما ، شبههما بالتوأمين دلالة على غاية التلازم حتى في الرحم بل وقبله. واللبان : لبن المرأة خاصة ، وهو مضاف إلى ثدي أم ، وتنوينها للافراد وإضافته له ؛ لأنه منه. ويجوز تنوينه. فثدى : بدل منه. والأسحم : الأسود الداجي المظلم ، أى تحالفا كما هو رواية أيضا في ليل مظلم. أو في الرحم المظلم. وعوض : ظرف مستقبل ، نصب بما بعده. لا نتفرق : جواب التحالف ، وكى بذلك كله عن شدة التلازم بينه وبين الكرم.
(١) قوله «كأنها نار بيضاء تتقد ... الخ» عبارة الخازن «أطافت بها نار ... الخ» وعبارة النسفي بدل قوله «رأى شجرة ... الخ» : «وجد نارا بيضاء تتوقد في شجرة خضراء من أعلاها إلى أسفلها وكانت شجرة العناب أو العوسج» (ع)