به حقيقة الإذن ، وإنما جعل الإذن مستعارا للتسهيل والتيسير ، لأن الدخول في حق المالك متعذر ، فإذا صودف الإذن تسهل وتيسر ، فلما كان الإذن تسهيلا لما تعذر من ذلك ، وضع موضعه ، وذلك أن دعاء أهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة والتعذر ، فقيل : بإذنه ، للإيذان بأن الأمر صعب لا يتأتى ولا يستطاع إلا إذا سهله الله ويسره ، ومنه قولهم في الشحيح : أنه غير مأذون له في الإنفاق ، أى : غير مسهل له الإنفاق لكونه شاقا عليه داخلا في حكم التعذر. جلى به الله ظلمات الشرك واهتدى به الضالون ، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به. أو أمدّ الله بنور نبوّته نور البصائر ، كما يمدّ بنور السراج نور الأبصار. وصفه بالإنارة لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته. وفي كلام بعضهم : ثلاثة تضيء : رسول بطيء ، وسراج لا يضيء ، ومائدة ينتظر لها من يجيء. وسئل بعضهم عن الموحشين؟ فقال : ظلام ساتر ، وسراج فاتر. وقيل : وذا سراج منير. أو وتاليا سراجا منيرا. ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف (أَرْسَلْناكَ).
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً)(٤٧)
الفضل : ما يتفضل به عليهم زيادة على الثواب ، وإذا ذكر المتفضل به وكبره فما ظنك بالثواب. ويجوز أن يريد بالفضل : الثواب ، من قولهم للعطايا : فضول وفواضل ، وأن يريد أنّ لهم فضلا كبيرا على سائر الأمم ، وذلك الفضل من جهة الله ، وأنه آتاهم ما فضلوهم به.
(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً)(٤٨)
(وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) معناه : الدوام والثبات على ما كان عليه. أو التهييج (أَذاهُمْ) يحتمل إضافته إلى الفاعل والمفعول. يعنى : ودع أن تؤذيهم بضرر أو قتل ، وخذ بظاهرهم ، وحسابهم على الله في باطنهم. أو : ودع ما يؤذونك به ولا تجازهم عليه حتى تؤمر ، وعن ابن عباس رضى الله عنهما : هي منسوخة بآية السيف (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فإنه يكفيكهم ، وكفى به مفوّضا إليه ، ولقائل أن يقول : وصفه الله بخمسة أوصاف ، وقابل كلا منها بخطاب مناسب له ، قابل الشاهد بقوله : وبشر المؤمنين ، لأنه يكون شاهدا على أمته وهم يكونون شهداء على سائر الأمم ، وهو الفضل الكبير والمبشر بالإعراض عن الكافرين والمنافقين ، لأنه إذا أعرض عنهم أقبل جميع إقباله على المؤمنين ، وهو مناسب للبشارة والنذير بدع أذاهم ، لأنه إذا ترك أذاهم في الحاضر ـ والأذى لا بدّ له من عقاب عاجل أو آجل ـ كانوا منذرين به في المستقبل ، والداعي إلى الله